فإن قيل: لم جمع الضمير في منكم وخفتكم مع إفراده في تمنها وعبدت؟ أجيب: بأن الخوف والفرار لم يكونا منه وحده ولكن منه ومن ملئه المؤتمرين بقتله، كما مرّت الإشارة إليه بدليل قوله تعالى:﴿إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك﴾ (القصص: ٢٠)
وأما الامتنان فمنه وحده وكذلك التعبيد، ولما قال له بوابه إنّ ههنا من يزعم أنه رسول رب العالمين وأدخله عليه.
﴿قال﴾ له ﴿فرعون﴾ عند دخوله حائداً عن جوابه منكراً لخالقه على سبيل التجاهل كما أنكر هؤلاء الرحمن متجاهلين وهم أعرف الناس بغالب أفعاله كما كان فرعون يعرف لقول موسى عليه الصلاة والسلام ﴿لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر﴾ (الإسراء: ١٠٢)
﴿وما ربّ العالمين﴾ أي: الذي زعمتما أنكما رسوله وإنما أتى بما دون من لأنها يسأل بها عن طلب الماهية كقولك ما العنقاء، ولما كان جواب هذا السؤال لا يمكن تعريفه إلا بلوازمه الخارجية لامتناع التعريف بنفسه وبما هو داخل فيه لاستحالة التركيب في ذاته عدل موسى عليه السلام إلى جواب ممكن فأجاب بصفاته تعالى، كما قال تعالى إخباراً عنه:
﴿قال رب﴾ أي: خالق ومبدع ومدبر ﴿السموات﴾ كلها ﴿والأرض﴾ وإن تباعدت أجرامها بعضها من بعض ﴿وما بينهما﴾ أي: بين السموات والأرض فأعاد ضمير التثنية على جمعين اعتباراً بالجنسين وخصه بهذه الصفات لأنها أظهر خواصه وآثاره وفيه إبطال لدعواه أنه إله، ومعنى قوله ﴿إن كنتم موقنين﴾ أي: إن كان يرجى منكم الإيقان الذي يؤدّي إليه النظر الصحيح نفعكم هذا الجواب وإلا لم ينفع، أو إن كنتم موقنين بشيء قط فهذا أولى ما توقنون به لظهوره وإنارة دليله، ولما ذكر موسى عليه السلام هذا الجواب الحق.
(٧/١٤)