﴿فألقى﴾ أي: فتسبب عن صنع السحرة وتعقبه أن ألقى ﴿موسى عصاه﴾ التي جعلت آية له وتسبب عن إلقائه قوله تعالى: ﴿فإذا هي تلقف﴾ أي: تبتلع في الحال بسرعة وهمة ﴿ما يأفكون﴾ أي: ما يقلبونه عن وجهه وحقيقته بسحرهم وكيدهم ويزوّرونه فيخيلون في حبالهم وعصيهم أنها حيات تسعى بالتمويه على الناظرين أو إفكهم، سمى تلك الأشياء إفكاً مبالغة، وقرأ حفص بسكون اللام وتخفيف القاف، وقرأ الباقون بفتح اللام وتشديد القاف، وشدّد البزي التاء في الوصل وخففها الباقون.
﴿فألقى السحرة﴾ أي: عقب فعلها من غير تلبث ﴿ساجدين﴾ أي: فسجدوا بسرعة عظيمة حتى كأن ملقياً ألقاهم من قوة إسراعهم علماً منهم بأنّ هذا من عند الله فأمسوا أتقياء بررة بعدما جاؤوا في صبح ذلك اليوم سحرة كفرة.
(٧/٢٢)
روي أنهم قالوا إن يك ما جاء به موسى سحراً فلن نغلب وإن يك من عند الله فلن يخفى علينا، فلما قذف عصاه فتلقفت ما أتوا به علموا أنه من عند الله فآمنوا. وعن عكرمة أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء، وإنما عبر عن الخرور بالإلقاء لأنه ذكر مع الإلقاآت فسلك به طريقة المشاكلة، وفيه أيضاً: مع مراعاة المشاكلة أنهم حين رأوا ما رأوا لم يتمالكوا أن رموا بأنفسهم إلى الأرض ساجدين كأنهم أخذوا فطرحوا طرحاً، فإن قيل: فاعل الإلقاء ما هو لو صرح به؟.
أجيب: بأنه الله تعالى بما خوّلهم من التوفيق أو إيمانهم أو ما عاينوا من المعجزة الباهرة، قال الزمخشري: ولك أن لا تقدر فاعلاً لأنّ ألقوا بمعنى خرّوا وسقطوا، ولما كان كأنه قيل: هذا فعلهم فما كان قولهم: قيل.
﴿قالوا آمنا برب العالمين﴾ أي: الذي دعا إليه موسى عليه السلام أول ما تكلم وقولهم:


الصفحة التالية
Icon