﴿قال﴾ شاكياً إلى الله ما هو أعلم به منه توطئة للدّعاء عليهم ومعرضاً عن تهديدهم له صبراً واحتساباً لأنه من لازم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ﴿رب﴾ أي: أيها المحسن إليّ ﴿إنّ قومي كذبون﴾ أي: فيما جئت به فليس الغرض من هذا إخبار الله بالتكذيب لعلمه بأنه عالم الغيب والشهادة ولكنه أراد لا أدعوك عليهم لما آذوني وإنما أدعوك لأجلك ولأجل دينك ولأنهم كذبوك في وحيك ورسالتك.
(٧/٤٩)
﴿فافتح﴾ أي: احكم ﴿بيني وبينهم فتحاً﴾ أي: حكماً يكون لي فيه فرج وبه من المضيق مخرج فأهلك المبطلين ﴿ونجني ومن معي﴾ أي: في الدين ﴿من المؤمنين﴾ مما تعذب به الكافرين، ثم لما كان في إهلاكهم وإنجائه من بديع الصنع ما يجل عن الوصف أظهره في مظهر العظمة بقوله تعالى:
﴿فأنجيناه ومن معه﴾ أي: الذين اتبعوه في الدين على ضعفهم وقلتهم ﴿في الفلك﴾ أي: السفينة وجمعه فُلك قال الله تعالى: ﴿وترى الفلك فيه مواخر﴾ (فاطر: ١٢)
قالوا حد بوزن قفل والجمع بوزن أسد، وقال تعالى ﴿المشحون﴾ أي: الموقور المملوء من الناس والطير والحيوان لأنّ سلامة المملوء جداً أغرب، ولما كان إغراقهم كلهم من الغرائب عظمه بأداة البعد فقال تعالى:
﴿ثم أغرقنا بعد﴾ أي: بعد إنجاء نوح ومن معه ﴿الباقين﴾ أي: من بقي على الأرض ولم يركب معه في السفينة على قوّتهم وكثرتهم.
﴿إن في ذلك﴾ أي: الأمر العظيم من الدعاء والإمهال ثم الإنجاء والإهلاك ﴿لأية﴾ أي: عظة لمن شاهد ذلك أو سمع به ﴿وما﴾ أي: والحال أنه ما ﴿كان أكثرهم﴾ أي: العالمين بذلك ﴿مؤمنين﴾ وقد كان ينبغي لهم إذ فاتهم الإيمان بمحض الدليل أن يبادروا بالإيمان حين رأوا أوائل العذاب.
﴿وإن ربك﴾ المحسن إليك بإرسالك وتكثير أتباعك وتعظيم أشياعك ﴿لهو العزيز﴾ أي: القادر بعزته على كل من قسرهم على الطاعة وإهلاكهم في أوّل أوقات المعصية ﴿الرحيم﴾ أي: الذي يخص من شاء من عباده بخالص وداده.