﴿أتبنون بكل ريع﴾ جمع ريعة وهو في اللغة المكان المرتفع، ومنه قولهم: كم ريع أرضك وهو ارتفاعها، وقال ابن عباس: الريع كل شرف، وقال مجاهد: هو الفج بين الجبلين، وقال الضحاك: هو كل طريق ﴿آية﴾ أي: علامة على شدتكم لأنه لو كان لهداية أو نحوها لكفى بعض ذلك ولكنكم ﴿تعبثون﴾ بمن يمرّ في الطريق إلى هود عليه السلام وتسخرون منه، والجملة حال من ضمير تبنون، وقيل: كانوا يبنون الأماكن المرتفعة ليعرف بذلك غناهم فنهوا عن ذلك ونسبوا إلى العبث، وقال سعيد بن جبير: هي بروج الحمام لأنهم كانوا يلعبون بالحمام، ثم ذكرهم بزوال الدنيا بقوله.
﴿وتتخذون مصانع﴾ قال مجاهد: قصوراً مشيدة، وقال الكلبي هي الحصون، وقال قتادة: هي مأخذ الماء يعني الحياض واحدها مصنعة، ولما كان هذا الفعل حال الراجي للخلود قال لهم ﴿لعلكم﴾ أي: كأنكم ﴿تخلدون﴾ فيها فلا تموتون، ثم بين لهم أفعالهم الخبيثة بقوله:
(٧/٥١)
﴿وإذا بطشتم﴾ أي: أردتم البطش بأحد بضرب أو قتل ﴿بطشتم جبارين﴾ أي: من غير رأفة، قال البغويّ: والجبار: الذي يضرب ويقتل على الغضب.
تنبيه: إنما قدّرنا الإرادة لئلا يتحد الشرط والجزاء، وجبارين حال، ولما خوّفهم هود عليه السلام بهذا الإنكار وهو أنّ اتخاذ الأبنية العالية يدل على حب الدنيا واتخاذ المصانع يدل على حب البقاء والجبارية تدل على حب التفرد بالعلوّ وهي ممتنعة الحصول للعبد وخوّفهم بهذا الإنكار عقاب الجبار تسبب عن ذلك قوله:
﴿فاتقوا الله﴾ أي: الذي له صفات الجلال والإكرام ﴿وأطيعون﴾ زيادة في دعائهم إلى الآخرة وزجراً لهم عن حب الدنيا والاشتغال بالشرف والتجبر، ثم وصل هذا الوعظ بما يؤكد القبول بأن نبههم على نعم الله تعالى عليهم بقوله:
﴿واتقوا الذي أمدّكم﴾ أي: جعل لكم مدداً وهو اتباع الشيء ما يقوّ به على الانتظام ﴿بما تعلمون﴾ أي: ليس فيه نوع خفاء حتى تغفلوا عن تقييد بالشكر، ثم فصل ذلك المجمل بقوله: