وقوله تعالى: ﴿وأوتينا العلم من قبلها﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه من كلام بلقيس فالضمير في قبلها راجع للمعجزة والحالة الدال عليها السياق، والمعنى: وأوتينا العلم بنبوّة سليمان من قبل ظهور هذه المعجزة أو من قبل هذه الحالة، وذلك لما رأت قبل ذلك من أمر الهدهد ورد الهدية والرسل من قبلها من قبل الآية في العرش ﴿وكنا مسلمين﴾ أي: منقادين طائعين لأمر سليمان، والثاني: أنه من كلام سليمان وأتباعه فالضمير في قبلها عائد على بلقيس فكان سليمان وقومه قالوا: إنها قد أصابت في جوابها وهي عاقلة وقد رزقت الإسلام، ثم عطفوا على ذلك قولهم ﴿وأوتينا العلم﴾ يعني بالله تعالى وبقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة في مثل علمها وغرضهم من ذلك شكراً لله تعالى في أن خصهم بمزيد التقديم في الإسلام قاله مجاهد، وقيل: معناه وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة من قبل مجيئها وكنا مسلمين طائعين لله تعالى، واختلف في فاعل قوله عز وجل.
(٧/١٣٣)
﴿وصدّها ما كانت تعبد من دون الله﴾ على ثلاثة أوجه: أحدها: ضمير البارئ تعالى، الثاني ضمير سليمان عليه السلام، أي: منعها ما كانت تعبد من دون الله وهو الشمس، وعلى هذا فما كانت تعبد منصوب على إسقاط الخافض، أي: وصدّها الله تعالى أو سليمان عما كانت تعبد من دون الله قاله الزمخشريّ مجوزاً له، قال أبو حيان وفيه نظر من حيث إنّ حذف الجار ضرورة كقوله:
*تمرّون الديار فلم تعوجوا*
وقد تقدم آيات كثيرة من هذا النوع، والثالث: أنّ الفاعل هو ما كانت أي: صدّها ما كانت تعبد عن الإسلام أي: صدّها عبادة الشمس عن التوحيد وقوله تعالى: ﴿إنها كانت من قوم كافرين﴾ استئناف أخبر الله تعالى أنها كانت من قوم يعبدون الشمس، فنشأت بينهم ولم تعرف العبادة ولم تعرف إلا عبادة الشمس، ولما تم ذلك فكأنه قيل: هل كان بعد ذلك اختبار فقيل نعم.