﴿إذ﴾ أي: حين ﴿قال لقومه﴾ أي: الذين كان سكن فيهم لما فارق عمه إبراهيم الخليل عليهما السلام وصاهرهم وكانوا يأتون الأحداث منكراً موبخاً ﴿أتأتون الفاحشة﴾ أي: الفعلة المتناهية في الفحش ﴿وأنتم تبصرون﴾ من بصر القلب، أي: تعلمون فحشها واقتراف القبائح من العالم بقبحها أقبح، أو يبصرها بعضكم من بعض لأنهم كانوا في ناديهم يرتكبونها معلنين لا يستتر بعضهم من بعض خلاعة ومجانة وانهماكاً في المعصية، قال الزمخشري وكان أبا نواس بنى على مذهبهم قوله:

*وبح باسم ما تأتي وذرني من الكنى فلا خير في اللذات من دونها ستر*
أو تبصرون آثار العصاة قبلكم وما نزل بهم، فإن قيل: إذا فسر تبصرون بالعلم وبعده بل أنتم قوم تجهلون فكيف يكونون علماء جهلاء؟.
أجيب: بأنهم يفعلون فعل الجاهلين بأنها فاحشة مع علمهم بذلك أو يجهلون العاقبة، أو أنّ المراد بالجهل السفاهة والمجانة التي كانوا عليها، ثم عين ما أبهمه بقوله.
﴿أئنكم لتأتون﴾ وقال ﴿الرجال﴾ إشارة إلى أنّ فعلتهم هذه مما يعني الوصف ولا يبلغ كنه قبحها ولا يصدّق ذو عقل أنّ أحداً يفعلها، ثم علل ذلك بقوله ﴿شهوة﴾ إنزالاً لهم إلى رتبة البهائم التي ليس فيها قصد ولد ولا إعفاف، وقال ﴿من دون النساء﴾ إشارة إلى أنهم أساؤوا من الطرفين في الفعل والترك، وقوله: ﴿بل أنتم قوم تجهلون﴾ تقدّم في جواب تبصرون تفسيره، فإن قيل: تجهلون صفة لقوم والموصوف لفظه لفظ الغائب فهلا طابقت الصفة الموصوف؟ أجيب: بأنه قد اجتمعت الغيبة والمخاطبة فغلبت المخاطبة لأنها أقوى وأرسخ أصلاً من الغيبة، وقرأ أئنكم نافع وابن كثير وأبو عمرو بتسهيل الهمزة الثانية المكسورة كالياء، وحققها الباقون، وأدخل بينهما قالون وأبو عمرو ألفاً، وهشام بخلاف عنه، لما بين تعالى بجهلهم بين أنهم أجابوا بما لا يصلح أن يكون جواباً بقوله تعالى:
(٧/١٤٣)


الصفحة التالية
Icon