﴿ومن يرزقكم من السماء﴾ أي: بالمطر والحرّ والبرد وغيرها مما له سبب في التكوين أو التلوين ﴿والأرض﴾ أي: بالنبات والمعادن والحيوان وغيرهما مما لا يعلمه إلا الله تعالى: وعبر عنها بالرزق لأنّ به تمام النعمة ﴿أإله مع الله﴾ أي: الذي له صفات الجلال والإكرام، ولما كانت هذه كلها براهين ساطعة ودلائل قاطعة أمر الله تعالى رسوله ﷺ إعراضاً عنهم بقوله تعالى: ﴿قل﴾ أي: لهؤلاء المدّعين للعقول ﴿هاتوا برهانكم﴾ أي: حجتكم على نفي شيء من ذلك عن الله تعالى أو على إثبات شيء منه لغيره ﴿إن كنتم صادقين﴾ أي: في أنكم على حق في أنّ مع الله تعالى غيره، وأضاف تعالى البرهان إليهم تهكماً بهم وتنبيهاً على أنهم أبعدوا في الضلال وأغرقوا في المحال، ثم إنهم سألوه عن وقت قيام الساعة فنزل.
﴿قل﴾ أي: لهم ﴿لا يعلم من في السموات والأرض﴾ من الملائكة والناس ﴿الغيب﴾ أي: ما غاب عنهم وقوله تعالى: ﴿إلا الله﴾ استثناء منقطع أي: لكن الله يعلمه، ولما كان الله تعالى منزهاً عن أن يحويه مكان جعل الاستثناء هنا منقطعاً، فإن قيل: من حق المنقطع النصب؟.
(٧/١٥٢)
أجيب: بأنه رفع بدلاً على لغة بني تميم يقولون ما في الدار أحد إلا حمار يريدون ما فيها إلا حمار كأن أحداً لم يذكر، ومنه قولهم: ما أتاني زيد إلا عمرو، وما أعانه إخوانكم إلا أخوانه، فإن قيل: ما الداعي إلى المذهب التميمي على الحجازي؟ أجيب: بأنه دعت إليه حاجة سرية حيث أخرج المستثنى مخرج قوله إلا اليعافير بعد قوله ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس ليؤل المعنى إلى قولك إن كان الله ممن في السموات والأرض فهم يعلمون الغيب بمعنى أنّ علمهم الغيب في استحالته كاستحالة أن يكون الله منهم، كما أنّ معنى ما في البيت أن كانت اليعافير أنيسا ففيها أنيس، إنباء عن خلوها عن الأنيس.


الصفحة التالية
Icon