﴿إن ربك﴾ أي: المحسن إليك بما لم يصل إليه أحد ﴿يقضي بينهم﴾ أي: بين جميع المختلفين ﴿بحكمه﴾ أي: الذي هو أعدل حكم وأتقنه وأنفذه، فإن قيل: القضاء والحكم شيء واحد فقوله تعالى: ﴿يقضي بينهم بحكمه﴾ أي: بما يحكم به كقوله يقضي بقضائه ويحكم بحكمه؟ أجيب: بأنّ معنى قوله تعالى: ﴿بحكمه﴾ أي: بما يحكم به وهو عدله لأنه لا يقضي إلا بالعدل فسمى المحكوم به حكماً أو أراد بحكمته ﴿وهو﴾ أي: والحال أنه هو ﴿العزيز﴾ أي: فلا يردّ له أمر ﴿العليم﴾ فلا يخفى عليه سرّ ولا جهر، فلما ثبت له تعالى العلم والحكمة والعظمة والقدرة تسبب عن ذلك قوله تعالى:
﴿فتوكل على الله﴾ أي: ثق به لتدع الأمور كلها إليه وتستريح من تحمل المشاق وثوقاً بنصره، ثم علل ذلك بقوله تعالى: ﴿إنك على الحق المبين﴾ أي: البين في نفسه الموضح لغيره فصاحب الحق حقيق بالوثوق بحفظ الله تعالى ونصره وقوله تعالى:
﴿إنك لا تسمع الموتى﴾ تعليل آخر للأمر بالتوكل من حيث إنه يقطع طمعه من معاضدتهم، وإنما شبهوا بالموتى لعدم انتفاعهم باستماع ما يتلى عليهم كما شبهوا بالصم في قوله تعالى: ﴿ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين﴾ أي: معرضين، فإن قيل: ما معنى قوله تعالى: ﴿ولوا مدبرين﴾ أجيب: بأنه تأكيد الحال الأصم لأنه إذا تباعد عن محل الداعي بأن تولى عنه مدبراً كان أبعد عن إدراك صوته، وقرأ ابن كثير ولا يسمع بالياء التحتية المفتوحة وفتح الميم الصم برفع الميم، والباقون بالتاء الفوقية مضمومة وكسر الميم الصم بالنصب، وسهل نافع وابن كثير وأبو عمرو الهمزة الثانية من الدعاء إذاً كالياء مع تحقيق الأولى، والباقون بتحقيقهما وهم على مراتبهم في المدّ، ثم قطع طمعه في إيمانهم بقوله تعالى:
(٧/١٦٠)