﴿وترى الجبال﴾ أي: تبصرها وقت النفخة والخطاب للنبيّ ﷺ لكونه أنفذ الناس بصراً وأنورهم بصيرة أو لكل أحد ﴿تحسبها﴾ أي: تظنها ﴿جامدة﴾ أي: قائمة ثابتة في مكانها لا تتحرّك لأنّ الأجرام الكبار إذا تحرّكت في سمت واحد لا تكاد تتبين حركتها ﴿وهي تمرّ﴾ أي: تسير حتى تقع على الأرض فتسوى بها مبثوثة ثم تصير كالعهن ثم تصير هباءً منثوراً، وأشار تعالى إلى أن سيرها خفي وإن كان حثيثاً بقوله تعالى: ﴿مرّ السحاب﴾ أي: مرّاً سريعاً لا يدرك على ما هو عليه لأنه إذا أطبق الجوّ لا يدرك سيره مع أنه لا شك فيه وإلالم تنكشف الشمس بلا لبس وكذلك كبير الجرم أو كثير العدد يقصر عن الإحاطة به لبعد ما بين أطرافه ولكثرته البصر والناظر الحاذق يظنه واقفاً.
وقرأ تحسبها بكسر السين نافع وابن كثير وأبو عمرو والكسائي وفتحها الباقون وقوله تعالى ﴿صنع الله﴾ مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله أضيف إلى فاعله بعد حذف عامله، أي: صنع الله ذلك صنعاً، ثم زاد في التعظيم بقوله دالاً على تمام الإحكام في ذلك الصنع ﴿الذي أتقن﴾ أي: أحكم ﴿كل شيء﴾ صنعه ولما ثبت هذا على هذا الوجه المتقن والنظام الأمكن أنتج قطعاً قوله تعالى: ﴿إنه﴾ أي: الذي أتقن هذه الأمور ﴿خبير بما يفعلون﴾ أي: عالم بظواهر الأحوال وبواطنها ليجازيهم عليها كما قال تعالى:
(٧/١٦٨)
﴿من جاء بالحسنة﴾ أي: الكاملة وهي الإيمان، وعن ابن عباس الحسنة كلمة الشهادة ﴿فله خير﴾ أي: أفضل ﴿منها﴾ مضاعفاً أقلّ ما يكون عشرة أضعاف إلى ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وقيل له خير: حاصل من جهتها وهو الجنة وفسر الجلال المحلي الحسنة بلا إله إلا الله، وقال في ﴿فله﴾ خير منها، أي: بسببها فليس للتفضيل إذ لا فعل خير منها وهذا يناسب القول الثاني ﴿وهم﴾ أي: الجاؤون بها ﴿من فزع يومئذ﴾ أي: يومئذ إذ وقعت هذه الأحوال العظيمة ﴿آمنون﴾ أي: حتى لا يحزنهم الفزع الأكبر.
(٧/١٦٩)