وقرأ يفعلون ابن كثير وأبو عمرو وهشام بالياء التحتية على الغيبة، والباقون بالفوقية على الخطاب، وقرأ وهم من فزع يومئذ آمنون الكوفيون بتنوين العين، والباقون بغير تنوين وهم أعمّ فإنه يقتضي الأمن من جميع فزع ذلك اليوم، وأمّا قراءة التنوين فتحتمل معنيين من فزع واحد وهو خوف العذاب، وأمّا ما يلحق الإنسان من الرعب ومشاهدته فلا ينفك منه أحد، ومن فزع شديد مفرط الشدّة لا يكتنهه الوصف وهو خوف النار، وقرأ نافع والكوفيون: بفتح الميم من يومئذ والباقون بكسرها فإن قيل: أليس قال تعالى في أوّل الآية ﴿ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله﴾ (النمل، ٨٧) فكيف نفى الفزع ههنا؟ أجيب: بأنّ الفزع الأوّل لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدّة تقع أو هول يفجأ إلا ما استثنى وإن كان المحسن آمناً من لحاق الضرر، وأما الثاني فهو الخوف من العذاب.
﴿ومن جاء بالسيئة﴾ أي: التي لا سيئة مثلها وهي الشرك لقوله تعالى ﴿فكبت﴾ أي: بأيسر أمر ﴿وجوههم في النار﴾ بأن وليتها مع أنه ورد في الصحيح أنّ مواضع السجود التي أشرفهاالوجه لا سبيل للنار عليها والوجه أشرف ما في الإنسان فإذا هان كان ما سواه أولى بالهوان، والمكبوب عليه منكوس ويقال له تبكيتاً ﴿هل﴾ أي: ما ﴿تجزون إلا﴾ جزاء ﴿ما كنتم تعملون﴾ أي: من الشرك والمعاصي.
تنبيه: جعل مقابلة الحسنة بالثواب والسيآت بالعقاب من جملة أحكامه للأشياء وإتقانه لها وإجرائه لها على قضايا الحكمة إنه عليم بما يفعل العباد وبما يستوجبون عليه فيكافئهم على حسب ذلك فانظر إلى بلاغة هذا الكلام وحسن نظمه وترتيبه، وأخذ بعضه بحجزة بعض كأنما أفرغ إفراغاً واحداً ولأمر ما أعجز القوى وأخرس الشقاشق والادعاء، ثم أمر الله تعالى رسوله ﷺ أن يقول لقومه.
(٧/١٧٠)