﴿اسلك﴾ أي: ادخل على الاستقامة مع الخفة والرشاقة ﴿يدك في جيبك﴾ أي: القطع الذي في ثوبك وهو الذي يخرج منه الرأس أو هو الكم كما يدخل السلك وهو الخيط الذي ينظم فيه الدرّ ﴿تخرج بيضاء﴾ بياضاً عظيماً يكون له شأن خارق للعادات ﴿من غير سوء﴾ أي: عيب من أثر الحريق الذي عجز فرعون عن مداواته أو غيره فخرجت ولها شعاع كشعاع الشمس يعشي البصر تنبيه: قد ذكر هذا المعنى بثلاث عبارات إحداها هذه وثانيتها: ﴿واضمم يدك إلى جناحك﴾ (طه: ٢٢)
وثالثتها: ﴿وأدخل يدك في جيبك﴾ (النمل، ١٢).
﴿واضمم إليك جناحك﴾ أي: يديك المبسوطتين تتقي بهما الحية كالخائف الفزع بإدخال اليمنى تحت عضد اليسرى وبالعكس، أو بإدخالهما في الجيب فيكون تكريراً لغرضٍ آخر وهو أن يكون ذلك في وجه العدو أظهر جراءة ومبدأ لظهور معجزة ويجوز أن يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا حية استعارة من حال الطائر لأنه إذا خاف نشر جناحيه وأرخاهما وإذا أمن واطمأن ضمهما إليه، ومنه ما يحكي عن عمر بن عبد العزيز: أن كاتباً له كان يكتب بين يديه فانفلتت منه فلتة ريح فخجل وانكسر فقام وضرب بقلمه الأرض فقال له عمر: خذ قلمك واضمم إليك جناحك وليفرخ روعك فإني ما سمعتها من أحد أكثر مما سمعتها من نفسي.
ومعنى قوله تعالى ﴿من الرهب﴾ من أجل الرهب أي: إذا أصابك الرهب عند رؤية الحية فاضمم إليك جناحك تجلداً وضبطاً لنفسك، جعل الرهب الذي كان يصيبه سبباً وعلة فيما أمر به من ضم جناحه إليه، قال الفراء: أراد بالجناح العصا ومعناه اضمم إليك عصاك، قال البغويّ: وقيل الرهب الكمّ بلغة حمير، قال الأصمعي: سمعت بعض الأعراب يقول أعطني ما في رهبك أي: في كمك ومعناه اضمم إليك يدك وأخرجها من الكمّ لأنه تناول العصا ويده في كمه انتهى، قال الزمخشريّ معترضاً هذا القول:
(٧/٢١٦)


الصفحة التالية
Icon