﴿إنهم كانوا﴾ أي: جبلة وطبعاً ﴿قوماً﴾ أي: أقوياء ﴿فاسقين﴾ أي: خارجين عن الطاعة فكانوا أحقاء أن يرسل إليهم، ولما قال تعالى: ﴿فذانك برهانان﴾ إلى آخره تضمن ذلك أن يذهب موسى بهذين البرهانين إلى فرعون وقومه فعند ذلك طلب من يعينه بأن ﴿قال رب﴾ أي: أيها المحسن إليّ ﴿إني قتلت منهم نفّساً﴾ هو القبطي السابق وأنت تعلم أني ما خرجت إلا هارباً منهم لأجلها ﴿فأخاف﴾ إن بدأتهم بمثل ذلك ﴿أن يقتلون﴾ به لوحدتي وغربتي وثقل لساني في إقامة الحجج فأخاف أن يفوت المقصود بقتلي ولا يحمي من ذلك إلا أنت وإنّ لساني فيه عقدة.
﴿وأخي هارون هو أفصح مني لساناً﴾ أي: من جهة اللسان للعقدة التي كانت حصلت له من وضع الجمرة في فيه وهو طفل في كفالة فرعون، وقيل كانت من أصل الخلقة والفصاحةُ لغةً الخلوص ومنه فصح اللبن خلص من رغوته وفصح الرجل جادت لغته، وأفصح تكلم بالعربية ﴿فأرسله﴾ أي: بسبب ذلك ﴿معي رِدْءَاً﴾ أي: معيناً من ردأت فلاناً بكذا أي: جعلته له قوّة وعاضداً وردأت الحائط إذا دعمته بخشب أو كبش يدفعه أن يسقط، وقرأ نافع بنقل حركة الهمزة إلى الدال وحذف الهمزة، والباقون بسكون الدال وتنوين الهمزة بعدها، ولما كان له عليه من العطف والشفقة ما يقصر الوصف عنه نبه على ذلك بإجابة السؤال بقوله ﴿يصدّقني﴾ أي: بأن يخلص بفصاحته ما قلته ويبينه ويقيم الأدلة عليه حتى يصير كالشمس وضوحاً فيكون مع تصديقه لي بنفسه سبباً في تصديق غيره لي.
(٧/٢١٨)


الصفحة التالية
Icon