فإن قيل: لم صحت الإشارة بذلك إلى ما ليس ببعيد؟ أجيب: بأن الإشارة وقعت فيه للتعظيم ولذلك قال الطيبي: أحسن ما قيل في توجيه ذلك قول صاحب «المفتاح» قال ذلك الكتاب ذهاباً إلى بعده درجة وقيل: وقعت الإشارة إلى ﴿ألم﴾ بعدما سبق التكلم به وتقضى، والمنقضي في حكم المتباعد، وهذا في كل كلام يحدّث الرجل بحديث ثم يقول: وذلك ما لا شك فيه ويحسب الحاسب ثم يقول: فذلك كذا وكذا وقال تعالى: ﴿لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك﴾ (البقرة، ٦٨) وقال نبي الله يوسف ﷺ ﴿لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي﴾ (يوسف، ٣٧) ولأنه لما وصل من المرسل سبحانه وتعالى إلى المرسل إليه ﷺ وقع في حدّ البعد كما تقول لصاحبك وقد أعطيته شيئاً: احتفظ بذلك أي: تمسك به، وقيل: معناه ذلك الكتاب الموعود إنزاله بقوله تعالى: ﴿إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً﴾ (المزمل، ٥) أو في الكتب المتقدّمة لأن سورة البقرة مدنية كما مرّ وأكثرها احتجاج على اليهود وعلى بني إسرائيل وقد كانت بنو إسرائيل أخبرهم موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام إن الله يرسل محمداً وينزل عليه كتاباً فقال تعالى: ﴿ذلك الكتاب﴾ أي: الذي أخبر الأنبياء المتقدّمون بأن الله سينزله على النبيّ المبعوث من ولد إسماعيل وقيل: إنه تعالى لما أخبر عن القرآن بأنه في اللوح المحفوظ بقوله: وإنه في أمّ الكتاب لدينا وقد كان ﷺ أخبر أمته بذلك فغير ممتنع أن يقول تعالى: ﴿ذلك الكتاب﴾ ليعلم أن هذا المنزل هو ذلك الكتاب المثبت في اللوح المحفوظ. والكتاب مصدر سمي به المفعول للمبالغة أو فعال بني للمفعول كاللباس ثم أطلق على المنظوم عبارة قبل أن يكتب لأنه مما يكتب، وأصل الكتب الضمّ والجمع، سمي الكتاب كتاباً لأنه جمع حرف إلى حرف والكتاب جاء في القرآن على وجوه؛ أحدها: الفرض قال تعالى: ﴿كتب عليكم القصاص﴾ (البقرة، ١٨٧) {كتب عليكم