وقال ابن عادل: وأبعد من ذلك من قدر موصولين محذوفين، أي: وما أنتم بمعجزين مَنْ في الأرض من الجنّ والأنس ولا مَنْ في السماء من الملائكة فكيف تعجزون خالقهما، وعلى قول الجمهور يكون المفعول محذوفاً أي: وما أنتم بمعجزين أي: فائتين ما يريد الله تعالى، وقال البقاعي: ويمكن أن يكون له نظر إلى قصة نمروذ وبنائه الصرح الذي أراد به التوصل إلى السماء لا سيما والآيات مكتنفة بقصة إبراهيم عليه السلام من قبلها ومن بعدها، ولما أخبرهم بأنهم مقدور عليهم وكان ربما يتوهم أن غيرهم ينصرهم صرح بنفيه في قوله تعالى ﴿ومالكم﴾ أي: أجمعين وأشار إلى سفول رتبة كل من سواه بقوله تعالى: ﴿من دون الله﴾ أي: غيره وأكد النفي بإثبات الجار بقوله ﴿من ولي﴾ أي: قريب يحميكم لأجل القرابة ﴿ولا نصير﴾ ينصركم من عذابه، ولما بين الأصلين التوحيد والإعادة وقررهما بالبرهان هدد كل من خالفه على سبيل التفصيل بقوله تعالى:
﴿والذين كفروا﴾ أي: ستروا ما أظهرت لهم أنوار العقول ﴿بآيات الله﴾ أي: بسبب دلائل الملك الأعظم المرئية والمسموعة التي لا أوضح منها ﴿ولقائه﴾ بالبعث بعد الموت الذي أخبر به وأقام الدليل عليه ﴿أولئك﴾ أي: البعداء البغضاء ﴿يئسوا﴾ أي: متحققين يأسهم من الآن بل من الأزل لأنهم لم يرجوا لقاء الله يوماً ولا قال قائل منهم: ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين ﴿من رحمتي﴾ أي: من أن أفعل بهم من الإكرام بدخول الجنة وغيرها فعل الراحم ﴿وأولئك لهم عذاب أليم﴾ أي: مؤلم بالغ ألمه، فإن قيل هلا اكتفى بقوله تعالى: ﴿أولئك﴾ مرة واحدة؟ أجيب: بأن ذلك كرّر تفخيماً للأمر فاليأس وصف لهم لأنّ المؤمن دائماً يكون راجياً خائفاً، وأمّا الكافر فلا يخطر بباله رجاء ولا خوف.
وعن قتادة: أن الله تعالى ذمّ قوماً هانوا عليه فقال: ﴿أولئك يئسوا من رحمتي﴾ وقال ﴿ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون﴾ (يوسف: ٨٧)
(٧/٢٩٦)