فينبغي للمؤمن أن لا ييأس من روح الله ولا من رحمته وأن لا يأمن عذابه وعقابه، فصفة المؤمن أن يكون راجياً لله خائفاً ثم إنّ الله تعالى أخبر عن فظاظة قوم إبراهيم وتكبرهم بقوله تعالى:
(٧/٢٩٧)
﴿فما كان جواب قومه﴾ لما أمرهم بالتوحيد وتقوى الله تعالى ﴿إلا أن قالوا﴾ أي: قال بعضهم لبعض أو قاله واحد منهم وكان الباقون راضين ﴿اقتلوه أو حرّقوه﴾ بالنار، فإن قيل كيف سمى قولهم اقتلوه أو حرّقوه جواباً مع أنه ليس بجواب؟ أجيب عنه من وجهين: أحدهما: أنه خرج مخرج كلام المتكبر كما يقول الملك لرسول خصمه جوابكم السيف مع أن السيف ليس بجواب وإنما معناه لا أقابل بالجواب وإنما أقابل بالسيف، وثانيهما: أن الله تعالى أراد بيان صلابتهم وأنهم ذكروا ما ليس بجواب في معرض الجواب فبين أنهم لم يكن لهم جواب أصلاً، وذلك أن من لا يجيب غيره وسكت لا يعلم أنه يقدر على الجواب أم لا لجواز أن يكون سكوته عن الجواب لعدم الالتفات، وأما إذا أجاب بجواب فاسد علم أنه قصد الجواب وما قدر عليه، ثم إنهم استقرّ رأيهم على الإحراق فجمعوا له حطباً إلى أن ملؤوا ما بين الجبال وأضرموا فيه النار حتى أحرقت ما دنا منها بعظيم الاشتعال وقذفوه فيها بالمنجنيق ﴿فأنجاه الله﴾ بما له من كمال العظمة ﴿من النار﴾ أي: من إحراقها وأذاها ونفعته بأن أحرقت وثاقه ﴿إن في ذلك ﴾ أي: ما ذكر من أمره وما اشتملت عليه قصته من الحكم ﴿لآيات﴾ أي: براهين قاطعة على جميع أمر الله من تصرفه في الأعيان والمعاني لكون النار لم تحرقه وأحرقت وثاقه وكل ما مرّ عليها من طائر وإخمادها مع عظمتها في زمان يسير وإنشاء روض مكانها، وروي أنه لم ينتفع في ذلك اليوم الذي ألقي فيه إبراهيم عليه السلام بالنار وذلك لذهاب حرقها ﴿لقوم يؤمنون﴾ أي: يصدقون بتوحيد الله وقدرته لأنهم المنتفعون بالفحص عنها والتأمّل فيها.
(٧/٢٩٨)