﴿وقال﴾ أي: إبراهيم عليه السلام غير هائب لتهديدهم بقتل أو غيره ﴿إنما اتخذتم﴾ أي: أخذتم باصطناع وتكلف وأشار إلى عظمة الله وعلوّ شأنه ﴿من دون الله﴾ الذي كل شيء تحت قهره ﴿أوثاناً﴾ أي: أصناماً تبعدونها وما مصدرية ﴿مودّة بينكم﴾ أي: تواددتم على محبتها ﴿في الحياة الدنيا﴾ بالاجتماع عندها والتواصل في أمرها بالتناصر والتعاضد كما يتفق ناس على مذهب فيكون ذلك سبب تصادقهم، وهذا دال على أن جمع الفسوق لأهل الدنيا هو العادة المستمرّة، وأن الحب في الله والاجتماع له عزيز جدّاً لما فيه من قطع علائق الدنيا وشهواتها التي زينت للناس على ما فيها من الإلباس وعظيم البأس، وقرأ نافع وابن عامر وشعبة مودّة بالنصب والتنوين وبينكم بنصب النون فنصب مودّة على أنه مفعول له أي: لأجل مودّة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي برفع مودّة من غير تنوين وكسر النون على أنّ مودّة خبر مبتدأ محذوف أي: هي مودّة، والباقون بنصب مودّة من غير تنوين وكسر النون وهذا أيضاً كإعراب المنوّنة، ولما أشار إلى هذا النفع الذي هو في الحقيقة ضراً تبع ذلك ما يعقبه من الضرّ البالغ معبراً بأداة البعد بقوله: ﴿ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض﴾ فينكر كل منكم محاسن أخيه ويتبرأ منه وتلعن الأتباع القادة وتلعن القادة الأتباع كما قال تعالى: ﴿ويلعن بعضكم بعضاً﴾ (العنكبوت، ٢٥) وتنكرون كلكم عبادة الأوثان تارة إذا تحققتم أنها ضرر لا نفع لها وتقرّون بها أخرى طالبين نصرتها راجين منفعتها وتنكر الأوثان عبادتكم وتجحد منفعتكم ﴿ومأواكم﴾ أي: جميعاً أنتم والأوثان ﴿النار وما لكم من ناصرين﴾ يحمونكم منها، ثم بين تعالى أوّل من آمن بإبراهيم بقوله تعالى:
(٧/٢٩٩)


الصفحة التالية
Icon