﴿ولقد تركنا﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿منها﴾ أي: من تلك القرى ﴿آية﴾ أي: علامة على قدرتنا على كل ما نريد ﴿بينة﴾ أي: ظاهرة، قال ابن عباس: منازلهم الخربة، وقال قتادة هي الحجارة التي أهلكوا بها أبقاها الله تعالى حتى أدركها أوائل هذه الأمة، وقال مجاهد هو ظهور الماء الأسود على وجه الأرض، فائدة: اتفق القراء على إدغام الدال في التاء، تنبيه: في هذه الآية إشارة إلى غفلة المخاطبين بهذه القصة من العرب وغيرهم وأنه ليس بينهم وبين الهدى إلا تفكرهم في أمرهم مع الانخلاع من الهوى وإنما يكون ذلك ﴿لقوم يعقلون﴾ أي: يتدبرون فعد من لم يستبصر بذلك غير عاقل، تنبيه: ههنا أسئلة: (الأوّل) كيف جعل الآية في نوح وإبراهيم عليهما السلام بالنجاة فقال: ﴿فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية﴾ (العنكبوت، ١٥) وقال: ﴿فأنجاه الله من النار إنّ في ذلك لآيات﴾ (العنكبوت، ٢٤) وجعل ههنا الهلاك آية، (الثاني): ما الحكمة في قوله تعالى في السفينة ﴿جعلناها آية﴾ ولم يقل بينة وقال ههنا آية بينة، (الثالث): ما الحكمة في قوله تعالى هناك ﴿للعالمين﴾ وقال ههنا: ﴿لقوم يعقلون﴾؟ أجيب عن الأوّل: بأنّ الآية في إبراهيم كانت في النجاة لأنّ في ذلك الوقت لم يكن إهلاك، وأما في نوح فلأن الإنجاء من الطوفان الذي علا الجبال بأسرها أمر عجيب إلهي وما به النجاة وهو السفينة كان باقياً والغرق لم يبق له بعده أثر محسوس في البلاد فجعل الباقي آية، وأما ههنا فنجاة لوط لم تكن بأمر يبقى في أثره للحس، والهلاك أثره محسوس في البلاد فجعل الآية الأمر الباقي ههنا البلاد وهناك السفينة.
(٧/٣١٠)