الثالث: أنّ العباد مأخوذ من العبادة والكافر لا يعبد الله فلا يدخل في قوله تعالى ﴿يا عبادي﴾ وإنما يختص بالمؤمنين الذين يعبدونه، الرابع: الإضافة بين الله تعالى والعبد يقول العبد إلهي ويقول الله عبدي، فإن قيل: إذا كان عباده لا يتناول إلا المؤمنين فما الفائدة في قوله ﴿الذين آمنوا﴾ مع أن الوصف إنما يذكر لتمييز الموصوف كما يقال: يا أيها المكلفون المؤمنون، يا أيها الرجال العقلاء تمييزاً بين الكافر والجاهل؟ أجيب: بأنّ الوصف يذكر لا لتمييز بل لمجرّد بيان أنّ فيه الوصف كما يقال: الأنبياء المكرمون، والملائكة المطهرون، مع أن كل نبيّ مكرم، وكل ملك مطهر، وإنما يقال لبيان أن فيهم الإكرام والطهارة، ومثله قولنا، الله العظيم فههنا ذكر لبيان أنهم مؤمنون ولما كانت الإقامة بمكة قبل الفتح موِدّية إلى الفتنة قال تعالى: ﴿فإياي﴾ أي: خاصة بالهجرة إلى أرض تأمنون فيها ﴿فاعبدون﴾ أي: وحدون وإن كان بالهجرة وكانت هجرة الأهل والأوطان شديدة، فإن قيل: قوله تعالى: ﴿يا عبادي﴾ يفهم منه كونهم عابدين فما الفائدة في الأمر بالعبادة؟ أجيب: بأنّ فيه فائدتين أحداهما: المداومة أي: يا من عبدتموني في الماضي اعبدوني في المستقبل، الثانية: الإخلاص أي: يا من تعبدني أخلص العمل لي ولا تعبد غيري، فإن قيل ما معنى الفاء في فاعبدون؟ أجيب: بأن الفاء جواب شرط محذوف لأنّ المعنى إنّ أرضي واسعة فإن لم تخلصوا العبادة لي في أرضي فأخلصوها في غيرها، ولما أمر الله تعالى عباده بالحرص على العبادة وصدق الاهتمام بها حتى يتطلبوا لها أوفق البلاد وإن بعدت وشق عليهم ترك الأوطان ومفارقة الإخوان خوّفهم بالموت لتهون عليهم الهجرة بقوله تعالى:
(٧/٣٣٦)