﴿كل نفس ذائقة الموت﴾ أي: كل نفس مفارقة ما ألفته حتى بدناً طالما لبسته وأنسها وأنسته فإن أطاعت ربها أنجت نفسها ولم تنقصها الطاعة من الأجل شيئاً وإلا أوبقت نفسها ولم تزدها المعصية في الأجل شيئاً فإذا قدّر الإنسان أنه ميت سهلت عليه الهجرة فإنه إن لم يفارق بعض مألوفه بها فارق كل مألوفه بالموت، وقد ورد «أكثروا من ذكر هادم اللذات أي: الموت فإنه ما ذكر في قليل أي: من العمل إلا كثره ولا ذكر في كثير أي: من أمل الدنيا إلا قلله، ولما هوّن أمر الهجرة حذر من رضي في دينه بنقص شيء من الأشياء حثاً على الاستعداد بغاية الجهد في التزّود للمعاد بقوله تعالى: ﴿ثم إلينا ترجعون﴾ على أيسر وجه فنجازي كلاً منكم بما عمل، وقرأ أبو بكر بالياء التحتية، والباقون بالتاء الفوقية.
﴿والذين آمنوا وعملوا﴾ أي: تصديقاً لإيمانهم ﴿الصالحات لنبؤنهم﴾ أي: لننزلنهم ﴿من الجنة غرفاً﴾ أي: بيوتاً عالية، قال البقاعي: تحتها قاعات واسعة، وقرأ حمزة والكسائي بعد النون بثاء مثلثة ساكنة وبعدها واو مكسورة وبعد الواو ياء مفتوحة أي: لنثوينهم أي: لنقيمنهم من الثواء وهو الإقامة يقال ثوى الرجل إذا أقام فيكون انتصاب غرفاً لإجرائه مجرى لننزلنهم، أو بنزع الخافض اتساعاً أي: في غرف أو تشبيه الظرف المؤقت بالمبهم كقوله: ﴿لأقعدنّ لهم صراطك﴾ (الأعراف: ١٦)، والباقون بعد النون بباء موحدة وبعدها واو مشدّدة وبعد الواو همزة مفتوحة وعلى هذه القراءة فانتصابها على أنها مفعول ثان لأنّ بّوأ يتعدّى لاثنين، قال الله تعالى: ﴿تبوّئ المؤمنين مقاعد للقتال﴾ (آل عمران: ١٢١)
(٧/٣٣٧)