﴿إن الذين آمنوا﴾ أي: أوجدوا الإيمان ﴿وعملوا﴾ أي: تصديقاً له ﴿الصالحات لهم جنات﴾ أي: بساتين ﴿النعيم﴾ أي: نعيم جنات فعكس للمبالغة كما أنّ لهؤلاء العذاب المهين، ووحد العذاب وجمع الرحمة إشارة إلى أنّ الرحمة واسعة أكثر من الغضب، ولما كان ذلك قد لا يكون دائماً وكان السرور بشيء قد ينقطع قال تعالى:
﴿خالدين فيها﴾ أي: دائماً، وقوله تعالى ﴿وعد الله﴾ أي: الذي لا شيء أجل منه مصدر مؤكد لنفسه؛ لأنّ قوله تعالى جنات في معنى وعدهم الله تعالى ذلك وقوله تعالى ﴿حقاً﴾ مصدر مؤكد لغيره أي: لمضمون تلك الجملة الأولى وعاملهما مختلف، فتقدير الأولى: وعد. الله ذلك وعداً. وتقدير الثانية: أحق ذلك حقاً فأكد نعيم الجنات ولم يؤكد العذاب المهين ﴿وهو العزيز﴾ أي: فلا يغلبه شيء ﴿الحكيم﴾ أي: الذي لا يضع شيئاً إلا في محله، ولما ختم بصفتي العزة وهي غاية القدرة و الحكمة وهي ثمرة العلم دل عليهما بإتقان أفعاله بقوله تعالى:
﴿خلق السموات﴾ على علوّها وكبرها وضخامتها ﴿بغير عمد﴾ وقوله تعالى ﴿ترونها﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه راجع إلى السموات إذ ليست بعمد أصلاً وأنتم ترونها كذلك بغير عمد، الثاني: أنه راجع إلى العمد ومعناه بغير عمد مرئية، وعلى كلا الوجهين هي ثابتة لا تزول وليس ذلك إلا بقدرة قادر مختار، تنبيه: أكثر المفسرين أنّ السموات مبسوطة كصحف مستوية لقوله تعالى ﴿يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ للكتب﴾ (الأنبياء: ١٠٤)
وقال بعضهم: إنها مستديرة وهو قول جميع المهندسين والغزالي رحمه الله تعالى حيث قال: ونحن نوافقهم في ذلك فإنّ لهم عليّ دليلاً من المحسوسات ومخالفة الحس لا تجوز، وإن كان في الباب خبر يؤّول بما يحتمله فضلاً عن أن ليس في القرآن والخبر ما يدل على ذلك صريحاً بل فيه ما يدل على الاستدارة كقوله تعالى ﴿كل في فلك يسبحون﴾ (الأنبياء: ٣٣)
(٧/٤١٢)