﴿ومن الناس﴾ أي: أهل مكة ﴿من يجادل﴾ أي: يحاجج فلا لهو أعظم من جداله ولا كبر مثل كبره ولا ضلال مثل ضلاله وأظهر زيادة التشنيع على هذا المجادل بقوله تعالى: ﴿في الله﴾ أي: المحيط علماً وقدرة ثم بين تعالى مجادلته أنها ﴿بغير علم﴾ أي: مستفاد من دليل بل بألفاظ في ركاكة معانيها لعدم إسنادها إلى حس ولا عقل ملحقة بأصوات الحيوانات العجم فكان بذلك حماراً تابعاً للهوى ﴿ولا هدى﴾ أي: من رسول عُهِد منه سداد الأقوال والأفعال بما أبدى من المعجزات والآيات البينات فوجب أخذ أقواله مسلمة وإن لم يظهر معناها ﴿ولا كتاب﴾ أي: من الله تعالى، ثم وصفه بما هو لازم له بقوله تعالى: ﴿منير﴾ أي: بين غاية السبيان؛ بل إنما يجادل بالتقليد كما قال تعالى:
﴿وإذا قيل﴾ أي: من أي: قائل كان ﴿لهم﴾ أي: المجادلين هذا الجدال ﴿اتبعوا ما أنزل الله﴾ أي: الذي خلقكم وخلق آباءكم الأوّلين ﴿قالوا﴾ جحوداً لا نفعل ﴿بل نتبع﴾ وإن أتيتنا بكل دليل ﴿ما وجدنا عليه آباءنا﴾ لأنهم أثبت منا عقولاً وأقوم قيلاً وأهدى سبيلا، فهذه المجادلة في غاية القبح فإن النبيّ ﷺ يدعوهم إلى كلام الله وهم يأخذون بكلام آبائهم، وبين كلام الله تعالى وبين كلام العلماء بون عظيم فكيف ما بين كلام الله تعالى وكلام الجهال ﴿أولو﴾ أي: أيتبعونهم ولو ﴿كان الشيطان﴾ أي: البعيد من الرحمه، المحترق باللعنة ﴿يدعوهم﴾ إلى الضلال فيوبقهم فيما يسخط الرحمن فيؤديهم لك ﴿إلى عذاب السعير﴾ وجواب لو محذوف مثل لا تتبعوه، والاستفهام للإنكار والتعجب، والمعنى أن الله تعالى يدعوهم إلى الثواب والشيطان يدعوهم إلى العذاب وهم مع هذا يتبعون الشيطان، ولما بين تعالى حال المشرك والمجادل في الله بين تعالى حال المسلم المستسلم لأمر الله تعالى بقوله تعالى:
(٧/٤٣٩)


الصفحة التالية
Icon