﴿وأما الذين فسقوا﴾ أي: خرجوا عن دائرة الإيمان الذي هو معدن التواضع وأهل للمصاحبة والملازمة ﴿فمأواهم النار﴾ أي: التي لا صلاحية فيها للإيواء بوجه من الوجوه ملجؤهم ومنزلهم أي: فالنار لهم مكان جنة المأوى للمؤمنين ﴿كلما أرادوا﴾ أي: وهم مجتمعون، فكيف إذا أراد بعضهم ﴿أن يخرجوا منها﴾ بأن يخيل إليهم ما يظنون به القدرة على الخروج منها كما كانوا يخرجون نفوسهم من محيط الأدلة ومن دائرة الطاعات إلى ميدان المعاصي والزلات فيعالجون الخروج، فإذا ظنوا أنه تيسر لهم وهم بعد في غمراتها ﴿أعيدوا فيها﴾ فهو عبارة عن خلودهم فيها ﴿وقيل لهم﴾ أي: من أي: قائل وكل بهم ﴿ذوقوا عذاب النار﴾ إهانة لهم وزيادة في تغيظهم وقوله تعالى ﴿الذي كنتم به تكذبون﴾ صفة لعذاب، وجوز أبو البقاء أن يكون صفة للنار قال: وذكر على معنى الجحيم والحريق.
ولما كان المؤمنون الآن يتمنون إصابتهم بشيء من الهوان قال تعالى:
(٧/٤٨٢)
﴿ولنذيقهم من العذاب الأدنى﴾ أي: عذاب الدنيا، قال الحسن: هو مصائب الدنيا وأسقامها وقال عكرمة: الجوع بمكة تسع سنين أكلوا فيها الجيف والعظام والكلاب، وقال ابن مسعود: هو القتل بالسيف يوم بدر ﴿دون العذاب الأكبر﴾ وهو عذاب الآخرة فإن عذاب الدنيا لا نسبة له إلى عذاب الآخرة، فإن قيل: ما الحكمة في مقابلة الأدنى بالأكبر، والأدنى إنما هو في مقابلة الأقصى والأكبر إنما هو في مقابلة الأصغر.
(٧/٤٨٣)
أجيب: بأنه حصل في عذاب الدنيا أمران: أحدهما: أنه قريب، والآخر: أنه قليل صغير، وحصل في عذاب الآخرة أيضاً أمران: أحدهما: أنه بعيد، والآخر: أنه عظيم كبير، لكن العرف في عذاب الدنيا هو أنه الذي يصلح للتخويف، فإن العذاب الآجل وإن كان قليلاً فلا يحترز عنه بعض الناس أكثر مما يحترز من العذاب الشديد إذا كان آجلاً، وكذا الثواب العاجل قد يرغب فيه بعض الناس ويستبعد الثواب العظيم الآجل.


الصفحة التالية
Icon