فأشار إلى الإيجاد الأول، وقال في السورة الثانية: ﴿الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً﴾ (الكهف: ١)
فأشار إلى الشكر على نعمة الإبقاء، فإن الشرائع بها البقاء ولولا شرع تنقاد له الخلق لاتبع كل واحد هواه ووقعت المنازعات وأدت إلى التقاتل والنفاق وقال ههنا: ﴿الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض﴾ ملكاً وخلقاً إشارة إلى نعمة الإيجاد الثاني بدليل قوله تعالى ﴿وله﴾ أي: وحده ﴿الحمد﴾ أي: الإحاطة بالكمال ﴿في الآخرة﴾ أي: ظاهر الكل من يجمعه الحشر وله كل ما فيها لا يدعي أحد ذلك في شيء منه ظاهراً ولا باطناً وقال في سورة الملائكة: ﴿الحمد لله فاطر السموات والأرض﴾ (فاطر: ١)
إشارة إلى نعمة الإبقاء بدليل قوله تعالى: ﴿جاعل الملائكة رسلاً﴾ (فاطر: ١)
أي: يوم القيامة يرسلهم الله تعالى مسلمين على المسلمين كما قال تعالى: ﴿وتتلقاهم الملائكة﴾ (الأنبياء: ١٠٣)
وقال تعالى عنهم: ﴿سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين﴾ (الزمر: ٧٣)
(٩/٢)
وفاتحة الكتاب لما اشتملت على ذكر نعمتين أشار بقوله تعالى: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾ (الفاتحة: ٢) إلى النعمة العاجلة، وأشار بقوله تعالى: ﴿مالك يوم الدين﴾ (الفاتحة: ٤)
إلى النعمة الآجلة فرتب الافتتاح والاختتام عليهما.
فإن قيل: قد ذكرتم أن الحمد ههنا إشارة إلى النعم التي في الآخرة فلم ذكر الله تعالى السموات والأرض؟ أجيب: بأن نعم الآخرة غير مرئية فذكر الله تعالى النعم المرئية وهي ما في السموات وما في الأرض.
ثم قال: ﴿وله الحمد في الآخرة﴾ ليقابل نعم الآخرة بنعم الدنيا، ويعلم فضلها بدوامها وقيل: الحمد في الآخرة هو حمد أهل الجنة كما قال تعالى: ﴿وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن﴾ (فاطر: ٣٤)
﴿والحمد لله الذي صدقنا وعده﴾ (الزمر: ٧٤)
وتقدم الكلام على الحمد لغة واصطلاحاً، والشكر كذلك في أول الفاتحة فتح الله علينا بكل خير وفعل ذلك بأحبابنا.