ولما وصف سبحانه نفسه المقدسة بالقدرة الكاملة دلَّ على ذلك بما يشاهده كل أحد في نفسه من السعة والضيق مع العجز عن دفع شيء من ذلك أو اقتناصه، وقال مستأنفاً أو معللاً مستنتجاً:
﴿ما﴾ أي: مهما فهي شرطية ﴿يفتح الله﴾ أي: الذي لا يكافئه شيء ﴿للناس﴾ لأن كل ما في الوجود لأجلهم ﴿من رحمة﴾ أي: من الأرزاق الحسية والمعنوية، من اللطائف والمعارف التي لا تدخل تحت حصر قلّت أو كثرت فيرسلها ﴿فلا ممسك لها﴾ أي: الرحمة بعد فتحه كما يعلمه كل أحد من نفسه من أنه إذا حصل له خير لا يعدمه من يود أنه لم يحصل، ولو قدر على إزالته لأزاله ولا يقدر على تأثير ما فيه ﴿وما يمسك فلا مرسل له﴾ يطلقه، واختلاف الضميرين، لأن الموصول الأول مفسر بالرحمة، والثاني مطلق يتناولها والغضب وفي ذلك إشعار بأن رحمته سبقت غضبه.
(٩/٧٧)
ولما كان ربما ادعى أحد فجوراً حال إمساك الرحمة أو النعمة أنه هو الممسك قال تعالى ﴿من بعده﴾ أي: إمساكه وإرساله ﴿وهو﴾ أي: هو فاعل ذلك، والحال أنه هو وحده ﴿العزيز﴾ أي: القادر على الإمساك والإرسال الغالب على كل شيء، ولا غالب له ﴿الحكيم﴾ أي: الذي يفعل في كل من الإمساك والإرسال وغيرهما ما يقتضيه علمه به ويتقن ما أراده على قوانين الحكمة فلا يستطاع نقض شيء منه.
ولما بيَّن بما يشاهده كل أحد في نفسه أنه المنعم وحده أمر بذكر نعمته بالاعتراف أنها منه، فإن الذكر يعود إلى الشكر وهو قيد الموجود وصيد المعدوم المفقود قال:
﴿يا أيها الناس﴾ أي: الجميع؛ لأن جميعهم مغمورون في نعمة الله تعالى، وعن ابن عباس يريد يا أهل مكة ﴿اذكروا﴾ بالقلب واللسان ﴿نعمت الله﴾ أي: الذي لا منعم في الحقيقة سواه ﴿عليكم﴾ أي: في دفع ما دفع عنكم من المحن وصنع ما صنع لكم من المنن لتشكروه ولا تكفروه.
تنبيه: ﴿نعمت﴾ هنا مجرورة في الرسم وقف عليها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالهاء، والباقون بالتاء، وإذا وقف الكسائي أمال الهاء.


الصفحة التالية
Icon