ولما بين عدم النفع فيهم في الدنيا بين عدم النفع منهم في الآخرة ووجود الضرر منهم في الآخرة بقوله سبحانه ﴿ويوم القيامة﴾ أي: حين ينطقهم الله تعالى ﴿يكفرون بشرككم﴾ أي: بإشراككم فينكرونه ويتبرؤن منه بقولهم ﴿ما كنتم إيّانا تعبدون﴾ (يونس: ٢٨)
كما حكى الله تعالى ذلك عنهم في آية أخرى ﴿ولا ينبئك﴾ أي: يخبرك أي: السامع بالأمر مخبر هو ﴿مثل خبير﴾ أي: عالم به أي: أن الخبير بالأمر وحده هو الذي يخبرك بالحقيقة دون سائر المخبرين به؛ لأنه لا يمكن الطعن في شيء مما أخبر به بخلاف غيره والمعنى: أن هذا الذي أخبرتكم به من حال الأوثان هو الحق؛ لأني خبير بما أخبرت به.
ولما اختص تعالى بالملك ونفى عن شركائهم النفع أنتج ذلك قوله تعالى:
﴿يا أيها الناس﴾ أي: كافة ﴿أنتم﴾ أي: خاصة ﴿الفقراء﴾ وقوله سبحانه ﴿إلى الله﴾ إعلام بأنه لا افتقار إلا إليه ولا اتكال إلا عليه، وهذا يوجب عبادته لكونه مفتقر إليه وعدم عبادة غيره لعدم الافتقار إلى غيره.
فإن قيل: لم عرف الفقراء؟ أجيب: بأنه قصد بذلك أن يريهم أنهم لشدة افتقارهم إليه هم جنس الفقراء، وإن كانت الخلائق كلهم مفتقرين إليه من الناس وغيرهم؛ لأن الفقر يتبع الضعف وكلما كان الفقير أضعف كان أحقر، وقد شهد الله تعالى على الإنسان بالضعف في قوله تعالى ﴿وخلق الإنسان ضعيفاً﴾ (النساء: ٢٨)
وقال تعالى ﴿الله الذي خلقكم من ضعف﴾ (الروم: ٥٤)
ولو نكر لكان المعنى: أنتم بعض الفقراء.
قال القشيري: والفقر على ضربين: فقر خلقة، وفقر صفة فالأول عام، فكل حادث مفتقر إلى خالقه في أول حال وجوده ليبدئه وينشئه، وفي ثانيه ليديمه ويبقيه، وأما فقر الصفة: فهو التجرد وفقر العوام التجرد عن المال، وفقر الخواص التجرد عن الإعلال فحقيقة الفقر المحمود تجرد السر عن المعلومات.
(٩/٩٦)