ولما قال تعالى ﴿ألم تر﴾ بمعنى ألم تعلم أن الله أنزل من السماء ماء وعدد آيات الله وأعلام قدرته وآثار صنعه وما خلق من الفطر المختلفة الأجناس، وما يستدل به عليه وعلى صفاته من أنه فاعل بالاختيار فهو يفعل ما يشاء قال تعالى: ﴿إنما يخشى الله﴾ أي: الذي له جميع صفات الكمال ﴿من عباده العلماء﴾ قال ابن عباس رضي الله عنه: يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزتي وسلطاني، فالخشية بقدرة معرفة المخشي، والعالم يعلم الله فيخافه ويرجوه، وهذا دليل على أن العالم أعلى درجة من العابد لقوله تعالى: ﴿إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ (الحجرات: ١٣)
بين تعالى أن الكرامة بقدر التقوى، والتقوى بقدر العلم لا بقدر العمل، فمن ازداد منه علماً ازداد منه خشية وخوفاً، ومن كان علمه به أقل كانت خشيته أقل، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية» وقال ﷺ «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً».
وقال مسروق: كفى بالمرء علماً أن يخشى، وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعمله، وقال رجل للشعبي: أفتني أيها العالم فقال له: العالم من خشي الله تعالى، قال السهروردي في الباب الثالث من معارفه: فينتفي العلم عمن لا يخشى الله تعالى كما إذا قال إنما يدخل الدار بغدادي فينتفي دخول غير البغدادي الدار، وقيل: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وقد ظهرت عليه الخشية حتى أثرت فيه، فإن قيل: هل يختلف المعنى إذا قدم المفعول في هذا الكلام أو أخر؟ أجيب: بأنه يختلف فإنك إذا قدمت اسم الله وأخرت العلماء كان المعنى إن الذين يخشون الله من بين عباده هم العلماء دون غيرهم، فإذا عملت على العكس انقلب المعنى إلى أنهم لا يخشون إلا الله كقوله تعالى ﴿ولا يخشون أحداً إلا الله﴾ (الأحزاب: ٣٩)
وهما معنيان مختلفان.
(٩/١٠٧)