﴿وأقسموا﴾ أي: كفار مكة ﴿بالله﴾ أي: الذي لا يقسم بغيره ﴿جهد أيمانهم﴾ أي: غاية اجتهادهم فيها ﴿لئن جاءهم نذير﴾ أي: رسول ﴿ليكونن أهدى من إحدى الأمم﴾ أي: اليهود والنصارى وغيرهم أي: آية واحدة منها لما رأوا من تكذيب بعضها بعضاً ﴿إذ قالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء﴾ (البقرة: ١١٣)
﴿فلما جاءهم نذير﴾ أي: على ما شرطوا وزيادة وهو محمد ﷺ الذي كانوا يشهدون أنه خيرهم نفساً وأشرفهم نسباً وأكرمهم خلقاً ﴿ما زادهم﴾ أي: مجيئه شيئاً مما هم عليه من الأحوال ﴿إلا نفوراً﴾ أي: تباعداً عن الهدى؛ لأنه كان سبباً في زيادتهم في الكفر كالإبل التي كانت نفرت من ربها فضلت عن الطريق فدعاها فازدادت بسبب دعائه نفرة فصارت بحيث يتعذر أو يتعسر ردها، فتبين أنه لا عهد لهم مع ادعائهم أنهم أوفى الناس ولا صدق عندهم مع جزمهم بأنهم أصدق الخلق، ثم علل نفورهم بقوله تعالى:
﴿استكباراً﴾ أي: طلباً لإيجاد الكبر لأنفسهم ﴿في الأرض﴾ أي: التي من شأنها السفول والتواضع والخمول فلم يكن نفورهم لأمر محمود ولا مباح، ويجوز أن يكون استكباراً بدلاً من نفوراً وأن يكون حالاً أي: حال كونهم مستكبرين قاله الأخفش.
وقوله تعالى ﴿ومكر السيء﴾ فيه وجهان: أظهرهما: أنه عطف على استكباراً، والثاني: أنه عطف على نفوراً وهذا من إضافة الموصوف إلى صفته في الأصل إذ الأصل والمكر السيء، والبصريون يؤولونه على حذف موصوف أي: العمل السيء أي: الذي من شأنه أن يسوء صاحبه وغيره وهو إرادتهم لإهانة أمر النبي ﷺ وإطفاء نور الله عز وجل، وقال الكلبي: هو اجتماعهم على الشرك وقتل النبي صلى الله عليه وسلم
(٩/١٢٥)