وقرأ حمزة في الوصل بهمزة ساكنة أي: بنية الوقف إشارة إلى تدقيقهم المكر واتقانه وإخفائه جهدهم، والباقون بهمزة مكسورة، وإذا وقف حمزة أبدل الهمزة ياء وأدغم الياء الأولى في الياء الثانية، ووقف الباقون بهمزة ساكنة ﴿ولا﴾ أي: والحال أنه لا ﴿يحيق﴾ أي: يحيط إحاطة لازمة خسارة ﴿المكر السيء﴾ أي: الذي هو عريق في السوء ﴿إلا بأهله﴾ أي: وإن أذى غير أهله لكنه لا يحيط بذلك الغير، فإن قيل: كثيراً ما نرى الماكر يمكر ويفيده المكر ويغلب الخصم بالمكر والآية تدل على عدم ذلك، أجيب: بأجوبة: أحدها: أن المكر في الآية هو المكر الذي مكروه مع النبي ﷺ من العزم على القتل والإخراج ولم يحق إلا بهم حيث قتلوا يوم بدر وغيره.
ثانيها: أنه عام وهو الأصح، ويدل له قول الزهري: بلغنا أن النبي ﷺ قال: «لا تمكروا ولا تعينوا ماكراً فإن الله تعالى يقول: وقرأ هذه الآية، ولا تبغوا ولا تعينوا باغياً يقول الله تعالى ﴿إنما بغيكم على أنفسكم﴾ (يونس: ٢٣)
ولا تنكثوا ولا تعينوا ناكثاً قال الله تعالى ﴿فمن نكث فإنما ينكث على نفسه﴾ (الفتح: ١٠)
ثالثها: أن الأعمال بعواقبها ومن مكر بغيره ونفذ فيه المكر عاجلاً في الظاهر فهو في الحقيقة هو الفائز والماكر هو الهالك كمثل راحة الكافر ومشقة المسلم في الدنيا ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى ﴿فهل ينظرون﴾ أي: ينتظرون ﴿إلا سنت الأولين﴾ أي: سنة الله تعالى فيهم من تعذيبهم بتكذيبهم رسلهم، والمعنى: فهل ينتظرون إلا أن ينزل بهم العذاب كما نزل بمن مضى من الكفار.
ولما كان هذا النظر يحتاج إلى صفاء في اللب وذكاء في النفس عدل عن ضميرهم إلى خطاب أعلى الخلق بقوله تعالى:
(٩/١٢٦)