﴿لقد حق القول على أكثرهم﴾ فيه وجوه: أشهرها: أن المراد بالقول هو قوله تعالى: ﴿لقد حق القول مني لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين﴾ ثانيها: أن معناه لقد سبق في علمه تعالى أن هذا يؤمن وهذا لا يؤمن فحق القول أي: وجب وثبت بحيث لا يبدل بغيره كما قال تعالى ﴿ما يبدل القول لدى﴾ (ق: ٢٩)
ثالثها: المراد لقد حق القول الذي قاله الله تعالى على لسان الرسل من التوحيد وغيره ﴿فهم﴾ أي: بسبب ذلك ﴿لا يؤمنون﴾ أي: بما يلقى إليهم من الإنذار بل يزيدهم عمى استكباراً في الأرض ومكر السيء.
ونزل في أبي جهل وصاحبه:
﴿إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً﴾ أي: بأن تضم إليها الأيدي؛ لأن الغل يجمع اليد إلى العنق، وذلك أن أبا جهل كان قد حلف لئن رأى محمداً ﷺ يصلي ليرضخن رأسه، فأتاه وهو يصلى ومعه حجر ليدمغه به فلما رفعه أثبتت يده إلى عنقه ولزق الحجر بيده إلى عنقه، فلما رجع إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر فقال رجل من بني مخزوم: أنا أقتله بهذا الحجر فأتاه وهو يصلي ليرميه بالحجر فأعمى الله تعالى بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له: ما صنعت؟ فقال: ما رأيته ولقد سمعت كلاماً وحال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه ولو دنوت منه لأكلني، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
ووجه المناسبة لما تقدم أنه لما قال تعالى ﴿لقد حق القول على أكثرهم﴾ وتقدم أن المراد به البرهان وقال بعد ذلك: بل عاينوا وأبصروا ما يقرب من الضرورة حيث التزقت يده بعنقه، ومنع من إرسال الحجر وهو مضطر إلى الإيمان ولم يؤمن علم أنه لا يؤمن أصلاً، وقال أهل المعاني: هذا على طريق المثل ولم يكن هناك غل، أراد منعناهم عن الإيمان بموانع، فجعل الأغلال مثلاً لذلك فهو تقرير لتصميمهم على الكفر والطبع على قلوبهم بحيث لا تغني عنهم الآيات والنذر بتمثيلهم بالذين غلت أيديهم.
(٩/١٣٥)