(٩/١٥٨)
﴿وجعلنا﴾ أي: بما لنا من العظمة ﴿فيها﴾ أي: الأرض ﴿جنات﴾ أي: بساتين ﴿من نخيل وأعناب﴾ ذكر هذين النوعين لكثرة نفعهما وقدم النخل؛ لأنه نفع كله خشبه وسعفه وليفه وخوصه وعراجينه وثمره طلعاً وبسراً ورطباً وتمراً وفيه زينة دائماً لكونه لا يسقط ورقه.
ولما كانت الجنان لا تصلح إلا بالماء قال تعالى ﴿وفجرنا﴾ أي: فتحنا سيحاً عظيماً ﴿فيها﴾ أي: الأرض ﴿من العيون﴾ شيئاً فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه أو العيون، ومن مزيدة عند الأخفش، قال البقاعي: والتعريف هنا يدل على أن الأرض مركبة على الماء فكل موضع منها صالح لأن يتفجر منه الماء ولكن الله تعالى يمنعه من بعض المواضع بخلاف الأشجار ليس فيها شيء غالب على الأرض، ففي ذلك تذكير بالنعمة في حبس الماء عن بعض الأرض ليكون موضعاً للسكن ولو شاء لفجر الأرض كلها عيوناً كما فعل بقوم نوح فأغرق أهل الأرض كلهم، وقرأ نافع وأبو عمرو وهشام وحفص برفع العين، والباقون بالكسر.
ولما كانت حياة كل شيء إنما هي بالماء أشار إلى ذلك بقوله تعالى:
﴿ليأكلوا من ثمره﴾ أي: ثمر ما ذكر وهو الجنات، وقيل: الضمير يعود على الأعناب؛ لأنها أقرب مذكور وكان من حق الضمير أن يثنى لتقديم شيئين وهما الأعناب والنخيل إلا أنه اكتفى بذكر أحدهما، وقيل: الضمير لله على طريق الالتفات من التكلم إلى الغيبة، وقرأ حمزة والكسائي برفع الثاء والميم وهي لغة فيه أو جمع ثمار، والباقون بفتحهما.
وقوله تعالى: ﴿وما عملته أيديهم﴾ عطف على الثمر والمراد: ما يتخذ منه كالعصير والدبس مما موصولة ومن الذي عملته أيديهم ويؤيد هذا قراءة حمزة والكسائي وشعبة بحذف الهاء من عملته، وما نافية على قراءة الباقين بإثباتها أي: وجدوها معمولة ولم تعملها أيديهم ولا صنع لهم فيها، وقيل: أراد العيون والأنهار التي لم تعملها يد مخلوق مثل دجلة والفرات والنيل.
(٩/١٥٩)


الصفحة التالية
Icon