ثم لما عدد النعم أشار إلى الشكر بقوله تعالى: ﴿أفلا يشكرون﴾ أي: اشكروا فهو أمر بصيغة الاستفهام أي: ادأبوا دائماً في إيقاع الشكر والدوام على تجديده في كل حين بسبب هذه النعم.
ولما أمرهم الله تعالى بالشكر وشكر الله تعالى بالعبادة وهم تركوها وعبدوا غيره وأشركوا قال تعالى:
﴿سبحان الذي خلق الأزواج﴾ أي: الأصناف والأنواع ﴿كلها﴾ أي: وغيره لم يخلق شيئاً ثم بين ذلك بقوله تعالى: ﴿مما تنبت الأرض﴾ دخل فيه كل نجم وشجر ومعدن وغيره من كل ما يتولد منها ﴿ومن أنفسهم﴾ من الذكور والإناث وقوله تعالى ﴿ومما لا يعلمون﴾ يدخل فيه ما في أقطار السموات وتخوم الأرضين من المخلوقات العجيبة الغريبة.
ولما استدل تعالى بأحوال الأرض وهو المكان الكلي استدل بالليل والنهار وهو الزمان الكلي بقوله تعالى:
﴿وآية لهم الليل﴾ أي: على إعادة الشيء بعد فنائه ﴿نسلخ﴾ أي: نفصل ﴿منه النهار﴾ فإن دلالة الزمان والمكان متناسبة؛ لأن المكان لا يستغني عنه الجواهر، والزمان لا يستغني عنه الأعراض؛ لأن كل عرض فهو في زمان.
تنبيه: نسلخ استعارة تبعية مصرحة، شبه انكشاف ظلمة الليل بكشط الجلد من الشاة والجامع ما يعقل من ترتب أحدهما على الآخر ﴿فإذا هم﴾ أي: بعد إزالة ما للنهار الذي سلخناه من الليل ﴿مظلمون﴾ أي: داخلون في الظلام بظهور الليل الذي كان الضياء ساتراً له كما يستر الجلد الشاة، قال الماوردي: وذلك أن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضيء فإذا خرج منه أظلم نقله ابن الجوزي عنه، وقد أرشد السياق حتماً إلى أن التقدير: والنهار نسلخ منه الليل الذي كان ساتره وغالباً عليه فإذا هم مبصرون.
ولما ذكر الوقتين ذكر آيتيهما مبتدئاً بآية النهار بقوله تعالى:
(٩/١٦٠)