﴿إن إلهكم﴾ أي: الذي اتخذتم من دونه آلهة ﴿لواحد﴾ إذ لو لم يكن واحداً لاختل هذا الاصطفاف والزجر والتلاوة وما يترتب عليها فكان غير حكيم، فإن قيل: ذكر الحلف في هذا الموضع غير لائق وبيانه من وجهين:
الأول: أن المقصود من هذا القسم إما إثبات هذا المطلوب عند المؤمن أو الكافر، فالأول باطل؛ لأن المؤمن مقرّ به من غير حلف.
والثاني: باطل أيضاً؛ لأن الكافر لا يقرّ به سواء حصل الحلف أو لم يحصل فهذا الحلف عديم الفائدة على كل تقدير، الثاني: أنه يقال أقسم في أول هذه السورة على أن الإله واحد وأقسم في أول سورة الذاريات على أن القيامة حق، فقال: ﴿والذاريات ذرواً﴾ (الذاريات: ١)
إلى قوله ﴿إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع﴾ (الذاريات: ٥)
وإثبات هذه المطالب العالية الشريفة على المخالفين من الدهرية وأمثالهم بالحلف لا يليق بالعقلاء؟ أجيب: عن ذلك بأوجه:
أولها: أنه تعالى قرر التوحيد وصحة البعث والقيامة في غالب السور بالدلائل اليقينية، فلما تقدم ذكر تلك الدلائل لم يبعد تقريرها بذكر القسم تأكيداً لما تقدم لاسيما والقرآن أنزل بلغة العرب وإثبات المطالب بالحلف واليمين طريقة مألوفة عند العرب.
ثانيها: أن المقصود من هذا الكلام الرد على عبدة الأصنام في قولهم بأنها آلهة فكأنه قيل: إن هذا المذهب قد بلغ في السقوط والركاكة إلى حيث يكفي في إبطاله مثل هذه الحجة.
ثالثها: أنه تعالى لما أقسم بهذه الأشيائ على صحة قوله تعالى: ﴿إن إلهكم لواحد﴾ (الصافات: ٤)
عقبه بما هو الدليل اليقيني في كون الإله واحد، وهو قوله تعالى:
﴿رب﴾ أي: موجد ومالك ومدبر ﴿السموات﴾ أي: الأجرام العالية ﴿والأرض﴾ أي: الأجرام السافلة ﴿وما بينهما﴾ أي: من الفضاء المشحون بما يعجز عن عده القوي، وذلك؛ لأنه تعالى بين في قوله تعالى: ﴿لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾ (الأنبياء: ٢٢)
(٩/٢٠٥)


الصفحة التالية
Icon