أن انتظام أحوال السموات والأرض يدل على أن الإله واحد فههنا لما قال ﴿إن إلهكم لواحد﴾ أردفه بقوله ﴿رب السموات والأرض وما بينهما﴾ كأنه قيل: بينا أن النظر في انتظام هذا العالم يدل على أن الإله واحد فتأملوا ليحصل لكم العلم بالتوحيد.
تنبيه: علم من قوله تعالى ﴿وما بينهما﴾ أنه تعالى خالق لأعمال العباد؛ لأن أعمالهم موجودة فيما بين السماء والأرض وهذه الآية دلت على أن كل ما حصل بين السماء والأرض، فالله ربه ومالكه وهذا يدل على أن فعل العبد حصل بخلق الله تعالى، فإن قيل: الأعراض لا يصح وصفها بأنها حصلت بين السماء والأرض؛ لأن هذا الوصف إنما يكون حاصلاً في حيز وجهة والأعراض ليست كذلك؟ أجيب: بأنها لما كانت حاصلة في الأجسام الحاصلة بين السماء والأرض فهي أيضاً حاصلة بين السموات والأرض ﴿ورب المشارق﴾ أي: والمغارب وجمعها باعتبار جميع السنة فإن الله تعالى خلق للشمس ثلاث مئة وستين كوة في المشرق وثلاثمئة وستين كوة في المغرب على عدد أيام السنة، تطلع الشمس كل يوم من كوة منها وتغرب في كوة منها لا ترجع إلى الكوة التي تطلع منها إلى ذلك اليوم من العام المقبل.
وقيل: كل موضع أشرقت عليه الشمس فهو مشرق وكل موضع غربت عليه فهو مغرب كأنه أراد جميع ما أشرقت عليه الشمس.
وقيل: المراد بالمشارق مشارق الكواكب ومغاربها؛ لأن لكل كوكب مشرقاً ومغرباً، فإن قيل: إن الله تعالى قال في موضع ﴿رب المشرق والمغرب﴾ (الشعراء: ٢٨)
وقال في موضع آخر ﴿رب المشرقين ورب المغربين﴾ (الرحمن: ١٧)
فما الجمع بين هذه المواضع؟ أجيب: بأن المراد بقوله ﴿رب المشرق والمغرب﴾ الجهة فالمشرق جهة والمغرب جهة وبقوله تعالى: ﴿رب المشرقين ورب المغربين﴾ مشرقا الشتاء والصيف ومغربا الشتاء والصيف وأما موضع الجمع فقد مر. فإن قيل: لم اكتفى بذكر المشارق؟ أجيب: بوجهين.
الأول: أنه اكتفى به كقوله تعالى ﴿تقيكم الحر﴾ (النحل: ٨١)
(٩/٢٠٦)