﴿إن هذا﴾ أي: الذي ذكر لأهل الجنة ﴿لهو الفوز العظيم﴾ هو قول أهل الجنة عند فراغهم من هذه المحادثات وقوله تعالى:
﴿لمثل هذا فليعمل العاملون﴾ قيل: إنه من بقية كلامهم، وقيل: إنه ابتداء كلام من الله تعالى أي: لنيل مثل هذا يجب أن يعمل العاملون لا للحظوظ الدنيوية المشوبة بالآلام السريعة الإنصرام.
ولما ذكر تعالى ثواب أهل الجنة ووصفها وذكر مآكل أهل الجنة ومشاربهم وقال ﴿لمثل هذا فليعمل العاملون﴾ أتبعه بقوله تعالى:
(٩/٢٢٥)
﴿أذلك﴾ أي: المذكور لأهل الجنة ﴿خير نزلاً﴾ وهو ما يعد للنازل من ضيف أو غيره ﴿أم شجرة الزقوم﴾ أي: المعدة لأهل النار نزلاً، وانتصاب نزلاً على التمييز أو الحال وفي ذكره دلالة على أن ما ذكر من النعيم لأهل الجنة بمنزلة ما يقدم للنازل ولهم ما وراء ذلك مما تقصر عنه الأفهام، وكذا الزقوم لأهل النار وهي: اسم شجرة صغيرة الورق زفرة مرة تكون بتهامة ثم سميت به: الشجرة الموصوفة، وإذا عرف هذا فالحاصل من الرزق المعلوم لأهل الجنة اللذة والسرور وحاصل شجرة الزقوم الألم والغم، ومعلوم أنه لا نسبة لأحدهما إلى الآخر في الخيرية إلا أنه جاء هذا الكلام على سبيل السخرية بهم أو لأجل أن المؤمنين لما اختاروا ما أوصلهم إلى الرزق الكريم والكافرون اختاروا ما أوصلهم إلى العذاب الأليم قيل لهم ذلك توبيخاً لهم على اختيارهم.
﴿إنا﴾ أي: بما لنا من العظمة والقدرة البالغة ﴿جعلناها فتنة﴾ أي: محنة وعذاباً ﴿للظالمين﴾ أي: الكافرين قال الكلبي: في الآخرة وابتلاء في الدنيا لما سمعوا بأنها في النار قالوا: كيف ذلك والنار تحرق الشجر ولم يعلموا أن من قدر على خلق يعيش في النار ويتلذذ بها فهو أقدر على خلقه الشجر في النار وحفظه من الإحراق.


الصفحة التالية
Icon