ولما نزلت هذه الآية قال ابن الزبعرى: أكثر الله في بيوتكم الزقوم فإن أهل اليمن يسمون التمر والزبد الزقوم، ثم أدخلهم أبو جهل بيته وقال لجاريته: زقمينا فأتته بزبد وتمر وقال: تزقموا فهذا ما يوعدكم به محمد، وهذا عناد منه وكذب فإنه من العرب العرباء وهم إنما يطلقونه على شجرة مسمومة يخرج لها لبن متى مس جسم أحد تورم فمات، والتزقم البلع الشديد للأشياء الكريهة وأما الزبد بالرطب فيسمى: ألوقة قاله ابن الكلبي وأنشد:

*وإني لمن سالمتهم لألوقة وإني لمن عاديتهم سم أسود*
ثم إن الله تعالى وصف هذه الشجرة بصفتين: الأولى: قوله تعالى:
(٩/٢٢٦)
﴿إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم﴾ قال الحسن: أصلها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.
الصفة الثانية قوله تعالى:
﴿طلعها﴾ أي: ثمرها قال الزمخشري: الطلع للنخلة فاستعير لما طلع من شجرة الزقوم من حملها إما استعارة لفظية أو معنوية قال ابن قتيبة: سمي طلعاً لطلوعه كل سنة فكذلك قيل: طلع النخل لأول ما يخرج من ثمره ثم وصف ذلك الطلع بقوله تعالى: ﴿كأنه رؤوس الشياطين﴾ وفيه وجهان: أحدهما: أنه حقيقة وأن رؤوس الشياطين شجرة معينة بناحية اليمن وتسمى: الأستن قال النابغة:
*تحيد عن أستن سود أسافله مثل الإماء الغوادي تحمل الحزما*
وهو شجر منكر الصورة مر، تسميه العرب بذلك تشبيهاً برؤوس الشياطين في القبح ثم صار أصلاً يشبه به، وقيل: الشياطين صنف من الحيات لهن أعراف قال الراجز:
*عنجرد تحلف حين أحلف كمثل شيطان الحماط أعرف*
وقيل: شجرة يقال لها: الصوم ومنه قول ساعدة بن حربة:
*موكل بسروف الصوم يرقبها من المعارف محفوظ الحشا ورم*
فعلى هذا خوطب العرب بما تعرفه وهذه الشجرة موجودة فالكلام حقيقة.


الصفحة التالية
Icon