﴿ثم إن لهم عليها﴾ أي: بعد ما شبعوا منها وغلبهم العطش ﴿لشوباً من حميم﴾ أي: ماء حار يشربونه فيختلط بالمأكول منها فيصير شوباً، وعطف بثم لأحد معنيين: إما لأنه يؤخر ما يظنونه يرويهم من عطشهم زيادة في عذابهم فلذلك أتى بثم المقتضية للتراخي، وإما لأن العادة تقتضي تراخي الشرب عن الأكل فعمل على ذلك المنوال، وأما ملء البطن فيعقب الأكل فلذلك عطف على ما قبله بالفاء قال الزجاج: الشراب اسم عام في كل ما خلط بغيره والشوب الخلط والمزج ومنه شاب اللبن يشوبه أي: خلطه ومزجه.
﴿ثم إن مرجعهم﴾ أي: مصيرهم ﴿لإلى الجحيم﴾ قال مقاتل: أي: بعد أكل الزقوم وشرب الحميم وهذا يدل على أنهم عند شرب الحميم لم يكونوا في الجحيم وذلك بأن يكون الحميم في موضع خارج عن الجحيم فهم يردون الحميم لأجل الشرب كما ترد الإبل الماء ويدل عليه قوله تعالى ﴿يطوفون بينها وبين حميم آن﴾ (الرحمن: ٤٤)
وقوله تعالى:
(٩/٢٢٨)
﴿إنهم ألفوا﴾ أي: وجدوا ﴿آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون﴾ تعليل لاستحقاقهم تلك الشدائد قال الفراء: الإهراع الإسراع يقال: هرع وأهرع إذا استحث والمعنى: أنهم يتبعون آباءهم في سرعة كأنهم يزعجون إلى اتباع آبائهم، وفيه إشعار بأنهم بادروا إلى ذلك من غير توقف على نظر وبحث، ثم إنه تعالى ذكر لرسوله ﷺ ما يسليه في كفرهم وتكذيبهم يقوله سبحانه:
﴿ولقد ضل قبلهم﴾ أي: قبل قومك ﴿أكثر الأولين﴾ أي: من الأمم الماضية.
﴿ولقد أرسلنا فيهم منذرين﴾ أي: أنبياء أنذروهم من العواقب فبين تعالى أن إرساله الرسل قد تقدم والتكذيب لهم قد سلف فوجب أن يكون له ﷺ أسوة بهم حتى يصبر كما صبروا ويستمر على الدعاء إلى الله تعالى وإن تمردوا فليس عليه إلا البلاغ، وقرأ قالون وابن كثير وعاصم بإظهار الدال، والباقون بالإدغام ثم قال تعالى:


الصفحة التالية
Icon