﴿فما ظنكم﴾ أي: أتظنون ﴿برب العالمين﴾ أنه جوز جعل هذه الجمادات مشاركة له في العبودية أو تظنون برب العالمين أنه من جنس هذه الأجسام حتى جعلتموها مساوية له في العبودية فنبههم بذلك على أنه ليس كمثله شيء، أو فما ظنكم برب العالمين إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره أنه يترككم بلا عذاب لا، وكانوا نجامين فخرجوا إلى عيد لهم وتركوا طعامهم عند أصنامهم زعموا التبرك عليه فإذا رجعوا أكلوه وقالوا للسيد إبراهيم عليه الصلاة والسلام: اخرج.
﴿فنظر نظرة في النجوم﴾ إيهاماً لهم أنه يعتمد عليها فيتبعوه.
﴿فقال إني سقيم﴾ أي: عليل وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة وأراد أن يتخلف عنهم ليبقى خالياً في بيت الأصنام فيقدر على كسرها. فإن قيل: النظر في علم النجوم غير جائز فكيف قدم إبراهيم عليه السلام عليه وأيضاً لم يكن سقيماً فكيف أخبرهم بخلاف حاله؟ أجيب عن ذلك: بأنا لا نسلم أن النظر في علم النجوم والاستدلال بها حرام؛ لأن من اعتقد أن الله تعالى خص كل واحد من هذه الكواكب بطبع وخاصة لأجلها يظهر منه أثر مخصوص فهذا العلم على هذا الوجه ليس بباطل وأما الكذب فغير لازم؛ لأن قوله ﴿إني سقيم﴾ على سبيل التعريض بمعنى أن الإنسان لا ينفك في أكثر أحواله عن حصول حالة مكروهة إما في بدنه وإما في قلبه وكل ذلك سقم، وعلى تقدير تسليم ذلك أجيب بأوجه:
أحدها: أن نظره في النجوم أو في أوقات الليل والنهار وكانت تأتيه الحمى في بعض ساعات الليل والنهار، فنظر ليعرف هل هي تلك الساعة فقال ﴿إني سقيم﴾ فجعله عذراً في تخلفه عن العيد الذي لهم فكان صادقاً فيما قال؛ لأن السقم كان يأتيه في ذلك الوقت.
(٩/٢٣٤)


الصفحة التالية
Icon