وروي في القصة: أنه لما وصل إلى البحر كانت معه امرأته وابنان له فجاء مركب وأراد أن يركب معهم فقدم امرأته ليركب بعدها فحال الموج بينه وبين المركب ومر المركب، ثم جاءت موجة أخرى فأخذت ابنه الأكبر، وجاء ذئب فأخذ ابنه الأصغر فبقي فريداً، فجاءت مركب أخرى فركبها وقعد ناحية من القوم، فلما جرت السفينة في البحر ركدت فقال الملاحون: إن فيكم عاصياً وإلا لم يحصل وقوف السفينة كما نراه من غير ريح ولا سبب ظاهر فأقرعوا فمن خرجت القرعة على سهمه نغرقه فإن تغريق واحد خير من غرق الكل فاقترعوا فخرجت القرعة على يونس فذلك قوله تعالى:
﴿فساهم﴾ أي: قارع أهل السفينة ﴿فكان من المدحضين﴾ أي: المغلوبين بالقرعة فألقوه في البحر.
(٩/٢٥٦)
﴿فالتقمه﴾ ابتلعه ﴿الحوت وهو مليم﴾ أي: آت بما يلام عليه من ذهابه إلى البحر وركوبه السفينة بلا إذن من ربه وقيل: مليم نفسه.
﴿فلولا أنه كان من المسبحين﴾ أي: الذاكرين قبل ذلك وكان عليه السلام كثير الذكر، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: من المصلين، وقال وهب: من العابدين، وقال الحسن: ما كان له صلاة في بطن الحوت ولكنه قدم عملاً صالحاً، قال الضحاك: شكر الله تعالى له طاعته القديمة، اذكر الله في الرخاء يذكرك في الشدة، فإن يونس كان عبداً صالحاً ذاكراً لله تعالى فلما وقع في الشدة في بطن الحوت شكر الله تعالى له ذلك، وقال سعيد بن جبير: يعني قوله: ﴿لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ (الأنبياء: ٨٧)
﴿للبث في بطنه إلى يوم يبعثون﴾ أي: صار بطن الحوت له قبراً إلى يوم القيامة وهو حي أو ميت وفي ذلك حث على إكثار الذكر وتعظيم لشأنه ومن أقبل عليه في السراء أخذ بيده في الضراء.