وروي أن يونس عليه السلام كان يسكن مع قومه فلسطين فغزاهم ملك وسبى منهم تسعة أسباط ونصفاً وبقي سبطان ونصف، وكان قد أوحى الله تعالى إلى بني إسرائيل إذا أسركم عدوكم أو أصابتكم مصيبة فادعوني أستجب لكم، فلما نسوا ذلك وأسروا أوحى الله تعالى بعد حين إلى نبي من أنبيائهم أن اذهب إلى ملك هؤلاء الأقوام وقل له: يبعث إلى بني إسرائيل نبياً، فاختار من بني إسرائيل يونس عليه السلام لقوته وأمانته فقال يونس: الله أمرك بهذا؟ قال: لا ولكن أمرت أن أبعث قوياً أميناً وأنت كذلك، فقال يونس: في بني إسرائيل من هو أقوى مني فلم لم تبعثه؟ فألح الملك عليه فغضب يونس منه وخرج حتى أتى بحر الروم فوجد سفينة مشحونة فحملوه فيها فلما أشرف على لجة البحر أشرفوا على الغرق فقال الملاحون: إن فيكم عاصياً وإلا لم يحصل في السفينة ما نراه فقال التجار: قد جربنا مثل هذا فإذا رأيناه نقترع فمن خرجت عليه نغرقه في البحر فلأن يغرق واحد خير من غرق الكل، فخرج من بينهم يونس فقال: يا هؤلاء أنا العاصي وتلفف في كسائه ورمى بنفسه فالتقمه الحوت، وأوحى الله تعالى إلى الحوت لا تكسر منه عظماً ولا تقطع منه وصلاً، ثم إن الحوت خرج إلى نيل مصر ثم إلى بحر فارس ثم إلى البطائح ثم إلى دجلة وصعد به ورماه في أرض نصيبين بالعراء وهو كالفرخ المنتوف لا شعر ولا لحم، فأنبت الله تعالى عليه شجرة من يقطين فكان يستظل بها ويأكل من ثمرها حتى اشتد، ثم إن الأرضة أكلتها، فحزن يونس لذلك حزناً شديداً، فقال: يا رب كنت أستظل تحت هذه الشجرة من الشمس والريح وأمص من ثمرها وقد سقطت فقال: يا يونس تحزن على شجرة أنبتت في ساعة ولا تحزن على مائة ألف إو يزيدون تركتهم فانطلق إليهم، فانطلق إليهم وذلك قوله تعالى:
(٩/٢٦١)