ألا ترى كيف عطف خبزاً على لحماً؟ وأيضاً الفاصل ليس بأجنبي، كما أشار إليه البيضاوي بقوله: أمر رسوله أولاً باستفتاء قريش عن وجه إنكارهم البعث وساق الكلام في تقريره جاراً لما يلائمه من القصص موصولاً بعضها ببعض، ثم أمره ﷺ باستفتائهم عن وجه القسمة، حيث جعلوا لله البنات ولأنفسهم البنين في قولهم: الملائكة بنات الله وهؤلاء زادوا على الشرك ضلالات أخر من التجسيم وتجويز البنات على الله تعالى، فإن الولادة مخصوصة بالأجسام المتكونة الفاسدة وتفضيل أنفسهم الخسيسة عليه سبحانه حيث جعلوا أوضع الجنسين له وأرنعهما لهم واستهانتهم بالملائكة حيث أنثوهم ولذلك كرر الله تعالى إنكاره ذلك وإبطاله في كتابه العزيز مراراً وجعله مما تكاد السموات ينفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً، والإنكار ههنا مقصور على الأخيرين لاختصاص هذه الطائفة بهما.
ونقل الواحدي عن المفسرين أنهم قالوا: إن قريشاً وأجناس العرب جهينة وبني سلمة وخزاعة وبني مليح قالوا: الملائكة بنات الله، وهذا الكلام يشتمل على أمرين أحدهما: إثبات البنات لله تعالى وذلك باطل؛ لأن العرب كانوا يستنكفون من البنات والشيء الذي يستنكف منه المخلوق كيف يمكن إثباته للخالق؟ والثاني: إثبات أن الملائكة إناث وهذا أيضاً باطل؛ لأن طريق العلم إما الحس وإما الخبر وإما النظر، أما الحس فمفقود؛ لأنهم لم يشاهدوا كيف خلق الله تعالى الملائكة، وهو المراد من قوله تعالى:
(٩/٢٦٣)


الصفحة التالية
Icon