﴿أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون﴾ وإنما خص علم المشاهدة؛ لأن أمثال ذلك لا يعلم إلا به، فإن الأنوثة ليست من لوازم ذاتهم لتمكن معرفته بالعقل الصرف مع ما فيه من الاستهزاء والإشعار بأنهم لفرط جهلهم يثبتونه كأنهم قد شاهدوا خلقهم. وأما الخبر فمفقود أيضاً؛ لأن الخبر إنما يفيد العلم إذا علم كونه صدقاً قطعاً وهؤلاء الذين يخبرون عن هذا الحكم كذابون أفاكون لم يدل على صدقهم دليل، وهذا هو المراد من قوله تعالى:
﴿ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون﴾ أي: فيما زعموا وقوله تعالى:
﴿أصطفى البنات على البنين﴾ استفهام إنكار واستبعاد، والاصطفاء أخذ صفوة الشيء.
فائدة: همزة أصطفى همزة قطع مفتوحة مقطوعة وصلاً وابتداء.
(٩/٢٦٤)
هذا الحكم الفاسد ﴿أفلا تذكرون﴾ أي: أنه تعالى منزه عن ذلك، وقرأ حمزة والكسائي وحفص بتخفيف الذال، والباقون بالتشديد.
(٩/٢٦٥)
وأما النظر فمفقود من وجهين؛ الأول: أن دليل العقل يقتضي فساد هذا المذهب؛ لأنه تعالى أكمل الموجودات، والأكمل له اصطفاء الأبناء على البنات يعني: أن إسناد الأفضل إلى الأفضل أقرب إلى العقل من إسناد الأخس إلى الأفضل، فإن كان حكم العقل معتبراً في هذا الباب كان قولهم باطلاً، الثاني: أن نترك الاستدلال على فساد مذهبهم بل نطالبهم بإثبات الدليل الدال على صحة مذهبهم وإذا لم يجدوا دليلاً ظهر بطلان مذهبهم وهذا هو المراد بقوله تعالى:
﴿أم لكم سلطان مبين﴾ أي: حجة واضحة أن لله ولداً.
﴿فأتوا بكتابكم﴾ أي: التوراة فأروني ذلك فيه ﴿إن كنتم صادقين﴾ أي: في قولكم هذا.