﴿وما منا﴾ أي: معشر الملائكة ملك ﴿إلا له مقام معلوم﴾ في السموات يعبد الله تعالى فيه لا يتجاوزه، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ما في السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي ويسبح، وروى أبو ذر رضي الله تعالى عنه عن النبي ﷺ أنه قال: «أطت السماء وحق لها أن تئط والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجداً» قيل: الأطيط أصوات الأقتاب وقيل: أصوات الإبل وحسها، ومعنى الحديث: ما في السماء من الملائكة قد أثقلها حتى أطت، وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة عليهم السلام وإن لم يكن ثم أطيط، وقال السدي: إلا له مقام معلوم في القرب والمشاهدة.
﴿وإنا لنحن الصافون﴾ أي: أقدامنا في الصلاة، وقال الكلبي: صفوف الملائكة في السماء كصفوف الناس في الأرض.
﴿وإنا لنحن المسبحون﴾ أي: المنزهون الله تعالى عما لا يليق به، وقيل: هذا حكاية كلام النبي ﷺ والمؤمنين، والمعنى: وما منا إلا له مقام معلوم في الجنة أو بين يدي الله تعالى في القيامة وإنا لنحن الصافون في الصلاة والمنزهون له تعالى عن السوء، ثم إنه تعالى أعاد الكلام إلى الإخبار عن المشركين فقال:
﴿وإن كانوا﴾ أي: كفار مكة، وإن مخففة من الثقيلة ﴿ليقولون لو أن عندنا ذكراً﴾ أي: كتاباً ﴿من الأولين﴾ أي: من كتب الأمم الماضين.
﴿لكنا عباد الله المخلصين﴾ أي: لأخلصنا العبادة له وما كذبنا ثم جاءهم الذكر الذي هو سيد الأذكار والمهيمن عليها وهو القرآن العظيم.
﴿فكفروا به فسوف يعلمون﴾ عاقبة هذا الكفر وهذا تهديد عظيم، ولما هددهم بذلك أردفه بما يقوي قلب النبي ﷺ بقوله تعالى:
(٩/٢٦٨)
﴿ولقد سبقت كلمتنا﴾ أي: بالنصر ﴿لعبادنا المرسلين﴾ وهي قوله تعالى ﴿لأغلبن أنا ورسلي﴾ (المجادلة: ٢١)
أو هي قوله تعالى:
﴿إنهم لهم المنصورون﴾.