ولما أسلم عمر وحصل للمسلمين قوة بمكانه قال المشركون ﴿إن هذا﴾ أي: الذي نراه من زيادة أصحاب محمد ﷺ ﴿لشيء يراد﴾ أي: بنا فلا مرد له أو أن الصبر على عبادة الآلهة لشيء يراد وهو أهل للإرادة فهو أهل أن لا ننفك عنه، وقيل: هذا المذكور من التوحيد لشيء يراد منا وقيل: إن دينكم لشيء يطلب ليؤخذ منكم.
﴿ما سمعنا بهذا﴾ أي: الذي يقوله محمد من التوحيد ﴿في الملة الآخرة﴾ قال ابن عباس: يعنون في النصرانية لأنها آخر الملل وهم لا يوحدون بل يقولون: ثالث ثلاثة، وقال مجاهد: يعنون ملة قريش دينهم الذي هم عليه ﴿إن﴾ أي: ما ﴿هذا﴾ أي: الذي يقوله ﴿إلا اختلاق﴾ افتعال وكذب.
﴿أأنزل عليه﴾ أي: محمد ﷺ ﴿الذكر﴾ أي: القرآن ﴿من بيننا﴾ وليس بأكبرنا ولا أشرفنا وهذا استفهام على سبيل الإنكار لاختصاصه عليه الصلاة والسلام بالوحي وهو مثلهم، وفي ذلك دليل على أن مبدأ تكذيبهم لم يكن إلا الحسد وقصور النظر على الحطام الدنيوي، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بتسهيل الهمزة الثانية كالواو، وأدخل بينهما ألفاً قالون وأبو عمرو بخلاف عن ورش وابن كثير بغير إدخال، وعن هشام فيها ثلاثة أوجه: تحقيق الهمزتين، وإدخال ألف بينهما، وتحقيقهما من غير إدخال ألف بينهما، قال الله تبارك وتعالى: ﴿بل هم في شك﴾ أي: تردد محيط بهم مبتدأ لهم ﴿من ذكري﴾ أي: وحيي وما أنزلت لميلهم إلى التقليد وإعراضهم عن الدليل الذي لو نظروا فيه لزال هذا الشك عنهم ﴿بل﴾ أي: ليسوا في شك منه في نفس الأمر وإن كان قولهم قول من هو في شك ﴿لما يذوقوا عذاب﴾ أي: الذي أعددته للمكذبين ولو ذاقوه لما قالوا هذا القول ولصدقوا النبي ﷺ فيما جاء به ولا ينفعهم التصديق حينئذ.
﴿أم﴾ أي: بل ﴿عندهم خزائن﴾ أي: مفاتيح ﴿رحمة﴾ أي: نعمة ﴿ربك﴾ وهي النبوة يعطونها من شاؤوا، ونظيره قوله تعالى ﴿أهم يقسمون رحمة ربك﴾ (الزخرف: ٣٢)
(٩/٢٧٧)