وثانيها: تعجبهم من الإلهيات فقالوا ﴿أجعل الآلهة إلهاً واحداً﴾ وثالثها: تعجبهم من المعاد والحشر والنشر فقالوا: ﴿ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب﴾ قالوا ذلك استهزاء أمر الله تعالى نبيه عليه السلام بالصبر فقال سبحانه:
(٩/٢٨٢)
وأشار بحرف الاستعلاء إلى عظيم الصبر فقال ﴿على ما يقولون﴾ أي: على ما يقول الكافرون من ذلك، ثم إنه تعالى لما أمر نبيه بالصبر ذكر قصص الأنبياء عليهم السلام تسلية له فكأنه تعالى قال: فاصبر على ما يقولون واعتبر بحال سائر الأنبياء ليعلمه أن كل واحد منهم كان مشغولاً بهم خاص، وحزن خاص، فيعلم حينئذ أن الدنيا لا تنفك عن الهموم والأحزان وأن استحقاق الدرجات العالية عند الله تعالى لا يحصل إلا بتحمل المشاق والمتاعب في الدنيا.
وبدأ من ذلك بقصة داود عليه السلام فقال تعالى: ﴿واذكر عبدنا﴾ أي: الذي أخلصناه لنا وأخلص نفسه للنظر إلى عظمتنا والقيام في خدمتنا وأبدل منه أو بينه بقوله تعالى: ﴿داود ذا الأيد﴾ قال ابن عباس: أي: القوة في العبادة، روي عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله ﷺ «أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود وأحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه» وقيل: ذا القوة في الملك ووصفه تعالى بكونه عبداً له وعبر عن نفسه بصيغة الجمع الدالة على نهاية التعظيم وذلك يدل على غاية التشريف ألا ترى أنه تعالى لما أراد أن يشرف محمداً ﷺ ليلة المعراج قال تعالى: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً﴾ (الإسراء: ١)
وأيضاً وصف الأنبياء عليهم السلام بالعبودية مشعر بأنهم قد حصلوا معنى العبودية بسبب الاجتهاد في الطاعة ﴿إنه أواب﴾ أي: رجاع إلى مرضاة الله تعالى، والأواب فعال من آب يؤب إذا رجع قال الله تعالى: ﴿إن إلينا إيابهم﴾ (الغاشية: ٢٥)