الثاني: أن الشيطان لو قدر أن يعامل نبي الله تعالى سليمان عليه السلام بمثل هذه المعاملة لوجب أن يقدر على مثلها مع جميع العلماء والزهاد وحينئذ يجب أن يقتلهم ويمزق تصانيفهم ويخرب ديارهم، ولما بطل ذلك في حق آحاد العلماء فلأن يبطل في حق أكابر الأنبياء أولى.
الثالث: كيف يليق بحكمة الله تعالى وإحسانه أن يسلط الشيطان على أزواج سليمان عليه السلام ولا شك أنه قبيح أي: على غير رأي الحسن كما مر.
الرابع: لو قلنا إن سليمان عليه السلام أذن لتلك المرأة في عبادتها تلك الصورة فهذا كفر منه، وإن لم يأذن فيه البتة فالذنب على تلك المرأة فكيف يؤاخذ الله تعالى سليمان عليه السلام بفعل لم يصدر منه أي: وقد يقال: إنما أوخذ بذلك لكونه كان سبباً في عملها.
قال: فأما أهل التحقيق فقد ذكروا وجوهاً؛ الأول: أن فتنة سليمان عليه السلام أنه ولد له ابن فقالت: الشياطين إن عاش صار مسلطاً علينا مثل أبيه فسبيلنا أن نقتله، فعلم سليمان عليه السلام ذلك فكان يربيه في السحاب فبينما هو يشتغل بمهماته إذ ألقي ذلك الولد ميتاً على كرسيه فتنبه على خطيئته في أنه لم يثق ولم يتوكل على الله تعالى فاستغفر ربه وتاب.
الثاني: روي عن النبي ﷺ أنه قال: «قال سليمان لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كل امرأة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله تعالى، فطاف عليهن فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل والذي نفسي بيده لو قال: إن شاء الله تعالى لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعين» فذلك قوله تعالى: ﴿ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً﴾ (ص: ٣٤)
الثالث: أنه أصابه مرض فصار يجلس على كرسيه وهو مريض فذلك قوله تعالى ﴿وألقينا على كرسيه جسداً﴾ وذلك لشدة المرض والعرب تقول في الضعيف: أنه لحم على وضم وجسم بلا روح ﴿ثم أناب﴾ أي: رجع إلى حال الصحة أي: وهذا أظهر ما قيل كما قاله البيضاوي.
(٩/٣١٠)