واختلف في معنى قوله تعالى: ﴿وأرض الله﴾ أي: الذي له الملك كله والعظمة الشاملة ﴿واسعة﴾ فقال ابن عباس: يعني ارتحلوا من مكة وفيه حث على الهجرة من البلد الذي تظهر فيه المعاصي ونظيره قوله تعالى: ﴿قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها﴾ (النساء: ٥٧)
وقيل: نزلت في مهاجري الحبشة. وقال سعيد بن جبير: من أمر بالمعاصي فليهرب، وقال أبو مسلم: لا يمتنع أن يكون المراد من الأرض أرض الجنة كما قال تعالى: ﴿جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين﴾ (آل عمران: ١٣٣)
﴿إنما يوفى﴾ أي: التوفية العظيمة ﴿الصابرون أجرهم﴾ أي: على الطاعات وما يبتلون به، وقيل: نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حيث لم يتركوا دينهم لما اشتد بهم البلاء وصبروا وهاجروا ومعنى ﴿بغير حساب﴾ أي: بغير نهاية بكيل أو وزن لأن كل شيء داخل تحت الحساب فهو متناهٍ، فما لا نهاية له كان خارجاً عن الحساب. وعن ابن عباس: لا يهتدي إليه حساب الحُسَّاب ولا يعرف. وقال علي كرم الله وجهه ورضي الله تعالى عنه: كل مطيع يكال له كيلاً أو يوزن له وزناً إلا الصابرين فإنه يحثى لهم حثياً. وروى الشعبي لكن بسند ضعيف عن النبي ﷺ «أن الموازين تنصب يوم القيامة لأهل الصلاة والصدقة والحج فيوفون أجورهم ولا ينصب لأهل البلاء بل يصب عليهم الأجر صباً حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب به أهل البلاء من الفضل».
ولما كان للعبادة ركنان: عمل القلب وعمل الجوارح، وعمل القلب أشرف من عمل الجوارح فقدمه سبحانه بقوله تعالى:
(٩/٣٥٥)
﴿قل﴾ أي: يا أشرف المرسلين ﴿إني أمرت﴾ قرأ نافع بفتح الياء والباقون بسكونها ﴿أن أعبد الله مخلصاً له الدين﴾ أي: مخلصاً له التوحيد لا أشرك به شيئاً ثم ذكر عقبه الأدون وهو عمل الجوارح وهو الإسلام المذكور في قوله:
(٩/٣٥٦)


الصفحة التالية
Icon