﴿إن الذين كفروا﴾ أي: أوقعوا الكفر ولو لحظة ﴿ينادون﴾ يوم القيامة وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم حين عرض عليهم سيئاتهم وعاينوا العذاب فيقال لهم: ﴿لمقت الله﴾ أي: الملك الأعظم إياكم ﴿أكبر﴾ والتقدير: لمقت الله لأنفسكم أكبر ﴿من مقتكم أنفسكم﴾ فاستغنى بذكرها مرة وقوله تعالى: ﴿إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون﴾ منصوب بالمقت الأول والمعنى: أنه يقال لهم يوم القيامة: كان الله تعالى يمقت أنفسكم الأمارة بالسوء والكفر حين كان يدعوكم إلى الإيمان فتأبون قبوله وتختارون عليه الكفر، أشد ما تمقتونهن اليوم وأنتم في النار إذا وقعتم فيها باتباعكم هواهن. وذكروا في تفسير مقتهم أنفسهم وجوهاً؛ أولها: أنهم إذا شاهدوا القيامة والجنة والنار مقتوا أنفسهم على إصرارهم على التكذيب بهذه الأشياء في الدنيا. ثانيها: أن الأتباع يشتد مقتهم للرؤساء الذين يدعونهم إلى الكفر في الدنيا، والرؤساء أيضاً يشتد مقتهم للأتباع فعبر عن مقت بعضهم بعضاً بأنهم مقتوا أنفسهم كقوله تعالى: ﴿اقتلوا أنفسكم﴾ (النساء: ٦٦)
والمراد أن يقتل بعضكم بعضاً. ثالثها: قال محمد بن كعب: إذا خطبهم إبليس وهو في النار بقوله: ما كان لي عليكم من سلطان إلى قوله ولوموا أنفسكم، ففي هذه الحالة مقتوا أنفسهم. وأما الذين ينادون الكفار بهذا الكلام فهم خزنة جهنم، وعن الحسن: لما رأوا أعمالهم الخبيثة مقتوا أنفسهم فنودوا لمقت الله أكبر، وقيل: معناه لمقت الله إياكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض كقوله تعالى: ﴿يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً﴾ (العنكبوت: ٢٥)
(٩/٤٣٥)


الصفحة التالية
Icon