والأولى أيضاً أن تفسر الآية بما يشمل الجميع كما قال تعالى: ﴿لا يخفى على الله﴾ أي: المحيط علماً وقدرة ﴿منهم﴾ أي: من أعمالهم وأحوالهم ﴿شيء﴾ وإن دق وخفي ويقول الله تعالى في ذلك اليوم بعد فناء الخلق ﴿لمن الملك اليوم﴾ أي: يا من كانوا يعملون أعمال من يظن أنه لا يقدر عليه أحد، فلا يجيبه أحد فيجيب نفسه فيقول تعالى: ﴿لله﴾ أي: الذي له جميع صفات الكمال ثم دل على ذلك بقوله تعالى: ﴿الواحد﴾ أي: الذي لا يمكن أن يكون له ثان بشركة ولا قسيمة ولا غيرهما ﴿القهار﴾ أي: الذي قهر الخلق بالموت، وقيل: يجيبونه بلسان الحال أو المقال فيقولون ذلك، وقال الرازي: لا يبعد أن يكون السائل والمجيب هو الله تعالى، ولا يبعد أيضاً أن يكون السائل جمعاً من الملائكة والمجيب جمعاً آخرين وليس على التعيين، فإن قيل: الله تعالى لا يخفى عليه شيء منهم في جميع الأيام فما معنى تقييد هذا العلم بذلك اليوم؟ أجيب: بأنهم كانوا يتوهمون في الدنيا أنهم إذا استتروا بالحيطان والحجب أن الله تعالى لا يراهم وتخفى عليه أعمالهم فهم في ذلك اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حال لا يتوهمون فيها مثل ما يتوهمون في الدنيا كما قال تعالى: ﴿ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون﴾ (فصلت: ٢٢)
وقال تعالى: ﴿يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم﴾ (النساء: ١٠٨)
وهو معنى قوله تعالى: ﴿وبرزوا لله الواحد القهار﴾ (إبراهيم: ٤٨)
ولما أخبر تعالى عن إذعان كل نفس بانقطاع الأسباب أخبرهم بما يزيد رعبهم ويبعث رغبتهم وهو نتيجة تفرده بالملك فقال تعالى:
(٩/٤٤١)