﴿وقال ربكم﴾ أي: المحسن إليكم بهدايتكم ووعدكم النصرة ﴿ادعوني﴾ أي: اعبدوني دون غيري ﴿أستجب لكم﴾ أي: أثبكم وأغفر لكم بقرينة قوله تعالى: ﴿إن الذين يستكبرون﴾ أي: يوجدون الكبر ﴿عن عبادتي﴾ أي: عن الاستجابة لي فيما دعوت إليه من العبادة بالمجادلة في آياتي والإعراض عن دعائي ﴿سيدخلون﴾ أي: بوعد لا خلف فيه ﴿جهنم﴾ فتلقاهم جزاء على كفرهم بالتجهم والعبوسة والكراهة ﴿داخرين﴾ أي: صاغرين حقيرين ذليلين وإن فسر الدعاء بالسؤال كان الاستكبار الصارف عنه منزلاً منزلته للمبالغة والمراد بالعبادة: الدعاء فإنه من أبوابها، روي عن أنس أن النبي ﷺ قال: «الدعاء مخ العبادة» وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «من لم يسأل الله تعالى يغضب عليه»، فإن قيل: أنه ﷺ قال حكاية عن ربه عز وجل: «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» فهذا يقتضي أن ترك الدعاء أفضل فكيف من لم يسأل الله يغضب؟ أجيب: بأنه إن كان مستغرقاً في الثناء على الله تعالى فهو أفضل من الدعاء لأن الدعاء طلب الجنة والاستغراق في معرفة الله تعالى وجلاله أفضل من طلب الجنة وإلا فالدعاء أفضل، وعن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول على المنبر: «الدعاء هو العبادة» ثم قرأ الآية، فإن قيل: كيف قال تعالى: ﴿ادعوني أستجب لكم﴾ وقد يدعو الإنسان كثيراً فلا يستجاب له؟ أجاب الكعبي: بأن الدعاء إنما يصح بشرط ومن دعا كذلك أستجيب له، وذلك الشرط هو أن يكون المطلوب بالدعاء مصلحة وحكمة، ثم سأل نفسه فقال: إن الله تعالى يفعل ما هو الأصلح بغير دعاء فما فائدة الدعاء وأجاب عنه بأن فيه الفزع والانقطاع إلى الله تعالى، وأجاب الرازي عن الأول: بأن كل من دعا الله تعالى وفي قلبه ذرة من الاعتماد على ماله وجاهه وأصدقائه واجتهاده فهو في الحقيقة ما دعا الله تعالى إلا باللسان وأما القلب فهو يعول