(٩/٤٨٣)
في تحصيل ذلك المطلوب على غير الله تعالى، فهذا إنسان ما دعا ربه وأما إذا دعا في وقت لا يكون القلب فيه ملتفتاً إلى غير الله تعالى فالظاهر أنه يستجاب له، وقال القشيري: الدعاء مفتاح الإجابة وأسنانه لقمة الحلال، وقرأ ابن كثير وشعبة بضم ياء سيدخلون وفتح الخاء والباقون بفتح الياء وضم الخاء.
ولما أمر الله تعالى بالدعاء فكأنه قيل الاشتغال بالدعاء لا بد وأن يكون مسبوقاً بحصول المعرفة فما الدليل على وجود الإله القادر فقال تعالى مفتتحاً بالاسم الأعظم:
﴿الله﴾ أي: المحيط بصفات الكمال ﴿الذي جعل لكم﴾ لا غيره ﴿الليل﴾ أي: مظلماً ﴿لتسكنوا فيه﴾ راحة ظاهرة بالنوم الذي هو الموت الأصغر وراحة حقيقية بالعبادة التي هي الحياة الدائمة ﴿والنهار مبصراً﴾ لتنظروا فيه باليقظة التي هي إحياء بالمعنى، فالآية من الاحتباك حذف الظلام أولاً لكونه ليس من النعم المقصودة في نفسها لما دل عليه من الإبصار الذي هو المقصود من نعمة الضياء المقصود في نفسه، وحذف الانتشار لأنه بعض ما ينشأ عن نعمة الإبصار لما دل عليه من السكون الذي هو المقصود الأعظم من الليل للراحة لمن أرادها والعبادة لمن اعتمدها واستزادها، فإن قيل: هلا قيل بحسب رعاية النظم: هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار لتبصروا فيه أو يقال جعل لكم الليل ساكناً والنهار مبصراً ولكنه لم يقل ذلك فما الحكمة فيه وفي تقديم ذكر الليل؟ أجيب عن الأول: بأن الليل والنوم في الحقيقة طبيعة عدمية فهو غير مقصود بالذات وأما النور واليقظة فأمور وجودية مقصودة بالذات، وقد بين الشيخ عبد القادر في دلائل الإعجاز أن دلالة صيغة الاسم على التمام والكمال أقوى من دلالة صيغة الفعل عليها فهذا هو السبب في الفرق، وأجيب عن الثاني: بأن الظلمة طبيعة عدمية والنور طبيعة وجودية والعدم في المحدثات مقدم على الوجود فلهذا السبب قال تعالى في سورة الأنعام ﴿وجعل الظلمات والنور﴾ (الأنعام: ١)